“عين زبيدة”.. شبكة مائية تاريخية أنارت دروب الحجاج على مر العصور
تعد “عين زبيدة” واحدة من أبرز المعالم التاريخية التي تركت بصمة واضحة في تاريخ مكة المكرمة، هذه الشبكة المائية، التي امتدت عبر قرون طويلة، كانت حجر الزاوية في توفير المياه للحجاج والمعتمرين، وأصبحت جزءًا لا يتجزأ من رحلة الحجاج إلى البقاع المقدسة.
شبكة مائية لآلاف السنين
تأسست “عين زبيدة” في عام 164 هـ، حيث شقت هذه القناة طريقها عبر الأراضي من العراق مرورًا بمناطق مختلفة في المملكة وصولًا إلى مكة المكرمة، كان هدفها الأساسي تخزين مياه السيول لتزويد الحجاج والمسافرين بالماء على طول مسارهم.
هذه الشبكة المائية كانت تُعتبر شريان الحياة في أوقات كانت المياه فيها شحيحة، وأصبحت أحد الرموز التي تمثل التقدم العمراني في منطقة مكة المكرمة.
درب زبيدة: رحلة آمنة ومريحة
تعتبر “درب زبيدة” هو الطريق الذي مرّ عبره الحجاج القادمين إلى مكة المكرمة، حيث كانت مياه “عين زبيدة” تسقي المسافرين في كل نقطة على طول الطريق.
يمتد هذا الدرب من العراق وصولًا إلى مكة، ويشمل عدة محطات، مثل وادي نعمان ومشعر عرفة. هذه البرك المائية كانت توفر الراحة للمسافرين في رحلة شاقة عبر الصحراء.
شهادات تاريخية حول العين
يقول المؤرخ عيسى القصير: “لقد كانت عين زبيدة بمثابة أنيس الدروب التي ربطت مكة المكرمة بالعالم الخارجي، وكان المسافرون يعانون من العطش في رحلتهم الطويلة، لكن عين زبيدة كانت تضمن لهم مياهًا تروي عطشهم وتساعدهم في إتمام رحلتهم.” وكان هذا النظام المائي الذي تأسس في القرن الثامن الميلادي واحدًا من أبرز الإنجازات الهندسية في عصره.
التأثير البيئي والاجتماعي
من خلال مرور “عين زبيدة” عبر العديد من المناطق الريفية، ساهمت في تحسين الحياة البيئية والاجتماعية لأهالي مكة المكرمة والطائف.
كان أهل القرى مثل الزيمة والوكف والمضيق يعتمدون على هذه العين لري مزارعهم وزراعة أراضيهم. كما كانت العين نقطة جذب سياحي لأهالي مكة والطائف، حيث كانت منطقة محاطة بالمناظر الطبيعية الخلابة.
التحديات والتغيرات المناخية
على الرغم من التاريخ العريق لهذه العين، فإن منسوب مياهها يظل متأرجحًا بين الارتفاع والانخفاض، خاصة في ظل قلة الأمطار في بعض الفترات.
ومع ذلك، ظلت “عين زبيدة” شاهدًا حيًا على التقدم البيئي والعمراني في منطقة مكة المكرمة، مما يجعلها أكثر من مجرد شبكة مائية، بل جزءًا من هوية هذه المنطقة التي تجمع بين التاريخ والحضارة.