اكتشاف أثري في “المعملة” بالباحة يكشف عن تاريخ يمتد لأكثر من ألف عام
أعلنت هيئة التراث عن انتهاء الموسم الثالث من أعمال التنقيب الأثري في موقع “المعمالة” بمنطقة الباحة، الذي يهدف إلى تسليط الضوء على تاريخ المملكة العريق واستكشاف الجوانب الثقافية والتاريخية للمواقع الأثرية في المملكة.
وأكدت الهيئة أن هذه الأعمال الأثرية أسفرت عن اكتشافات مهمة تبرز التطور المعماري والتجاري الذي شهدته المنطقة قبل أكثر من ألف سنة.
من بين أبرز الاكتشافات التي تم العثور عليها مجموعة من الجدران الحجرية، التي شُيدت باستخدام أحجار الجرانيت المشذبة والطوب الطيني، وهو ما يعكس مدى العناية التي تم تخصيصها لتصميم وبناء هذه المنشآت.
وتراوح ارتفاع الجدران بين 50 و120 سم، وعرضها بين 50 و80 سم، مما يدل على تقدم كبير في الأساليب الهندسية والمعمارية في تلك الحقبة الزمنية.
كما تم العثور على وحدتين معماريتين متكاملتين تعودان لتلك الفترة الزمنية. الوحدة الأولى تضم ثلاث غرف، وأربعة مستودعات، وخمسة أحواض، وموقدين، بينما تضم الوحدة الثانية ثلاث غرف، ومستودعين، وأربعة أحواض، وموقدًا، وتنورًا، بالإضافة إلى دعامتين معماريتين.
هذا الاكتشاف يعكس نمط الحياة المتقدم آنذاك ويشير إلى التوزيع الدقيق للمساحات واستخدام هذه المباني المتعددة الوظائف.
ومن خلال التنقيب أيضًا، تم العثور على مجموعة كبيرة من القطع الأثرية التي تعكس الأنشطة التجارية والصناعية التي كانت سائدة في الموقع.
شملت الاكتشافات 230 قطعة من الأواني الفخارية، بعضها مزخرف بزخارف هندسية مميزة، بالإضافة إلى 48 قطعة حجرية و26 قطعة زجاجية بألوان متنوعة، مثل الأخضر الفاتح والغامق والرمادي.
كما تم العثور على 35 أداة معدنية و17 أداة حجرية، مثل المدقات والمساحن، فضلاً عن أجزاء من الرحى التي كانت تُستخدم في عمليات طحن المواد الخام.
يتمتع موقع المعملة بأهمية استراتيجية وتاريخية خاصة بفضل موقعه الجغرافي الذي يقع في الجزء الشرقي من وادي لغبة، على بعد 13 كم شرق محافظة العقيق.
ويُعد الموقع قريبًا من طريق التجارة القديم المعروف بـ “درب الفيل”، الذي كان يشهد مرور قوافل تجارية قادمة من جنوب الجزيرة العربية قبل الإسلام.
ومع مرور الزمن، أصبح هذا الدرب مسلكًا للحجاج خلال العصور الإسلامية، مما أدى إلى ازدهار القرى والمدن التي تقع على طول الطريق، مما يعزز من القيمة الاقتصادية والتاريخية للموقع.
وقد أكدت هيئة التراث على التزامها المستمر في تنفيذ مشاريع التنقيب والمسح الأثري في مختلف مناطق المملكة باستخدام تقنيات متطورة، مثل المسح الجغرافي والتنقيب الميداني.
هذه الجهود تسهم في اكتشاف وتوثيق المزيد من الآثار التي تقدم رؤى جديدة عن تاريخ المملكة العريق، كما تسعى الهيئة إلى نشر الوعي الثقافي والتراثي بين الأجيال الجديدة وحماية هذا التراث القيم للأجيال القادمة.
تؤكد هذه الاكتشافات على أهمية منطقة الباحة كموقع تاريخي حيوي، يعكس التطور الحضاري والتجاري الذي شهدته المملكة في فترات مختلفة من تاريخها، كما يعزز من فهمنا العميق لجذور المملكة وأثرها التاريخي على مستوى المنطقة والعالم.