-- سلايدر --وجهات سياحية

العمارة القديمة في نجران.. تراث معماري يروي حكايات الماضي ويواكب تطلعات المستقبل

تعد مدينة نجران القديمة واحدة من أبرز المكونات التراثية المعمارية في شبه الجزيرة العربية. يتجسد فيها مزيج فريد من التراث والعراقة، حيث يواصل التراث المعماري في المنطقة إبراز طابعه الخاص الذي يتناغم مع البيئة المحلية.

تعتبر البيوت الطينية القديمة مثالاً حياً على حلول معمارية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالظروف البيئية التي عاش فيها سكان نجران، وتستمر في التأكيد على الإبداع الهندسي الذي يمزج بين البساطة والجمال.

في قلب مدينة نجران القديمة، التي تحتضن معالم تاريخية تعود إلى أكثر من ثلاثة قرون، يمكن للزوار والمقيمين الاستمتاع بمشاهد تعكس أبعاداً من حياة الأجيال السابقة.

تركت البيوت الطينية في المدينة أثراً كبيراً في هوية المنطقة المعمارية، حيث تم بناء هذه المنازل لتتناسب مع احتياجات المجتمع المحلي وتقاليده.

شكل البناء الرأسي للطين على هيئة طوابق متعددة كان الخيار الأمثل في نجران، نظراً لمساحة الأرض المحدودة، حيث لا تتجاوز المساحة عادة 100 متر مربع.

هذا البناء كان يتيح تخصيص المساحات المتبقية لتربية المواشي وتخزين المحاصيل الزراعية، وكذلك استخدامها للعيش في الصيف.

الأستاذ المساعد في التصميم الحضري بجامعة نجران، الدكتور عبدالرحمن المجادعة، يوضح أن البيوت التقليدية في نجران كانت تتميز بالبساطة والتناسق، حيث كانت تُبنى وفق نمط حضري مختلف عن باقي المدن الإسلامية القديمة.

على عكس المدن التي كانت تتشكل حول الوحدات الأساسية مثل المسجد والسوق وقصر الحكم، كانت نجران تعتمد على تجمعات سكنية مترابطة تمثل تناغماً اجتماعياً، تقع وسط المزارع دون أسوار حامية، ما يعكس ثقافة الاستقرار والأمن التي كان ينعم بها أهل المدينة.

يعتبر الدكتور المجادعة أن العنصر الزخرفي كان له دور محوري في إضفاء الجمال على البيوت التقليدية في المنطقة. ففي تلك البيوت، كانت الأحزمة الأفقية، التي كانت تُزين الحواف العليا للمباني، تضيف لمسة جمالية لافتة. كانت تلك الزخارف تمتد على عرض يصل إلى 80 سم، مما يعكس الاهتمام بالتفاصيل.

كما احتوت بعض المباني على أقواس مفرغة وتوزيع النوافذ والأبواب بشكل منتظم، مما خلق إيقاعاً متناغماً في شكل المبنى الخارجي.

اليوم، وبعد أكثر من 300 عام، لا تزال مدينة نجران القديمة تحتفظ بجاذبيتها كوجهة للمهتمين بالتاريخ والعمارة. رغم التحديات التي تطرأ مع مرور الزمن، فإن منطقة نجران تواصل تقديم دروس في الاستدامة العمرانية، ويشرف القائمون على المشاريع المعمارية الحديثة بمستوى عالٍ من العناية على الحفاظ على هذا التراث المعماري، مع دمج عناصر الحداثة.

هذا التوجه يعد جزءاً من رؤية المملكة 2030 التي تسعى للحفاظ على التراث مع مواكبة التطلعات المستقبلية، مما يعكس كيف يمكن للعمارة أن تلعب دوراً مهماً في الحفاظ على الهوية الثقافية، وفي الوقت نفسه تتماشى مع تطلعات الاستدامة والتطور.

تعد العمارة في نجران شهادة حية على قدرة الإنسان على الاستفادة من البيئة المحيطة به وتوظيفها في بناء مجتمع متكامل، ما يجعلها جزءاً مهماً من تاريخ المنطقة وثقافتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى