قرية آل ينفع.. تراث عريق يحتضن الفنون الحديثة

في قلب منطقة عسير، تتربع قرية “آل ينفع” الأثرية، شاهدة على تاريخ يمتد لأكثر من 1400 عام، حيث تجمع بين أصالة الماضي وروح الفنون المعاصرة.
لم تعد هذه القرية مجرد مزار تاريخي، بل تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى مركز ثقافي يجذب عشاق التراث والفنون، بعد أن خضعت لعمليات ترميم وتأهيل واسعة، جعلتها واحدة من أبرز الوجهات السياحية في المملكة.
تقع القرية على مساحة تتجاوز 121 ألف متر مربع في مركز “تمنية”، على بعد نحو 40 كيلومترًا جنوب غرب مدينة أبها، وسط بيئة طبيعية ساحرة تحيط بها مواقع سياحية شهيرة مثل “القرعاء”، “المسقي”، “دلغان”، و”الحبلة”، كما أنها قريبة من المدينة الجامعية لجامعة الملك خالد، ما يعزز من جاذبيتها كوجهة سياحية وثقافية متميزة.
شهدت قرية “آل ينفع” أعمال تطوير مكثفة أشرفت عليها أمانة منطقة عسير، بهدف إعادة إحيائها وتحويلها إلى وجهة سياحية وثقافية نابضة بالحياة.
ومن بين الفعاليات التي احتضنتها القرية مؤخرًا، كان “ملتقى قريتنا الفنية”، الذي نظمته هيئة تطوير منطقة عسير بالتعاون مع جمعية الثقافة والفنون بأبها والجمعية السعودية للفنون التشكيلية “جسفت”، حيث اجتمع الفنانون التشكيليون ليعكسوا جماليات المكان من خلال أعمالهم، ما أضفى بعدًا فنيًا جديدًا على هذا الموقع التراثي.
بُنيت القرية على سفوح الجبال بطريقة معمارية فريدة، حيث تتوزع مبانيها بشكل متناسق وسط طبيعة خلابة تطل على مساحات زراعية خضراء. وتتميز المنطقة بوجود أكثر من 70 بئرًا، من بينها سبع آبار متجاورة منحوتة في الصخور، إلى جانب شبكة ري قديمة تعود لقرون مضت، أنشأها الأهالي بمهارة هندسية فائقة، حيث تمتد قنوات المياه لمسافات طويلة لتروي المزارع وتصل إلى البيوت.
كما تحتوي القرية على ممر مائي قديم محفور بين الصخور بطول 160 مترًا، كان يُستخدم لنقل المياه من الآبار إلى المزارع المجاورة.
ويُظهر سكان “آل ينفع” براعة معمارية متميزة، إذ استطاعوا عبر العصور تطوير تقنيات فريدة في البناء وحفظ المحاصيل الزراعية. وتضم القرية حوالي 50 مدفنًا حجريًا دائريًا، استخدمها الأهالي قديمًا لتخزين الحبوب بعد الحصاد، أبرزها مدفن “بيت الجماعة”، الذي كان يُستخدم كمستودع مركزي لتخزين المؤن الغذائية.
بحسب عضو الجمعية السعودية للمحافظة على التراث، علي أبو علوة، تُعد قرية “آل ينفع” واحدة من الوجهات السياحية والتراثية المهمة على مستوى المملكة، لما تحويه من معالم عمرانية أصيلة وقنوات مائية ذات تصاميم هندسية فريدة.
وأوضح أن القرية تضم 400 منزل أثري تتوزع على 16 حيًا، بالإضافة إلى ستة مساجد تاريخية، من بينها الجامع القديم، الذي يعود بناؤه إلى عام 105 هـ، وفق ما دُوّن على بابه.
مع استمرار أعمال التطوير وإحياء التراث، تواصل قرية “آل ينفع” استقطاب الزوار من مختلف أنحاء المملكة، حيث يجمع هذا الموقع الاستثنائي بين عبق التاريخ وجمال الطبيعة وروح الفنون الحديثة، ليقدم تجربة سياحية وثقافية فريدة لا تتكرر.