السياحة.. ماذا يعني أن تكون مستدامًا؟

لم تعد السياحة كما كانت قبل سنوات. تعقدت أشكالها، وتداخلت أنواعها، ودخلت معظم مجالات الحياة، مؤثرةً ومتأثرةً بها. فما معنى أن تكون السياحة مستدامة؟ وما الأسباب التي تدفع المنظمات الدولية الكبرى إلى الاهتمام بها والدعوة إليها؟
السياحة المستدامة، كما عرّفتها منظمة السياحة العالمية، هي “سياحة تُلبّي احتياجات الزوار، والقطاع السياحي، والبيئة، والمجتمعات المضيفة، مع مراعاة الآثار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الحالية والمستقبلية”. وهذا يعني أن على جميع المعنيين بالسياحة، سواءً كانوا مديري سياحة أو مشغلين أو سياحًا، مراعاة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للتنمية المستدامة عند المشاركة في السياحة أو الاستفادة منها.
السياحة من أكبر وأسرع الصناعات نموًا في العالم. ورغم أهميتها الكبيرة للنمو الاقتصادي للدول، إلا أنها ألحقت أضرارًا بالبيئة والثقافات والأخلاق. وهذا ما دفع الأمم المتحدة إلى التركيز على مناقشتها في قمة الأرض حول البيئة والتنمية، التي عُقدت في ريو دي جانيرو، البرازيل، في يونيو/حزيران 1992.
أكدت الوثيقة الختامية لهذا المؤتمر على أهمية تعزيز السياحة وتحويلها إلى سياحة مستدامة. وفي عام ٢٠٠٢، دعت القمة العالمية للتنمية المستدامة، التي عُقدت في جوهانسبرغ، إلى تعزيز تنمية السياحة المستدامة.
الوثيقة الختامية لمؤتمر ريو
شُجِّعت الدول الأعضاء على الاستثمار في السياحة المستدامة، وأُعلن عام 2017 السنة الدولية للسياحة المستدامة من أجل التنمية. لم يأتِ هذا الاهتمام بالسياحة المستدامة وتركيزها في مختلف المحافل الدولية عبثًا، بل استند إلى الأثر الكبير والأهمية الجوهرية للسياحة المستدامة. فهي تُمثل فرصة حقيقية لنمو الاقتصادات المحلية، من الزراعة إلى الحرف اليدوية وغيرها. كما تُتيح فرصةً لإعادة إعمار الأراضي والبنية التحتية، وتجميل المناظر الطبيعية، وإعادة الحياة إلى القرى القديمة والقرى الجبلية المهددة بالنزوح، وإحياء التقاليد والثقافات التي تعود إلى آلاف السنين. كما تُوفر السياحة المستدامة فرص عمل، وتُسهم في القضاء على الفقر، وتُعزز التعارف بين الشعوب، وتُعزز الثقافات المحلية، وتُسهم في نشرها عالميًا. علاوةً على ذلك، تُسهم في تحسين البيئة وتعزيز العلاقات بين الدول.
وقد لعبت السياحة المستدامة دورًا رئيسيًا في تحسين الظروف الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية للدول النامية، مثل أوغندا ورواندا في أفريقيا، التي جعلتها هدفًا استراتيجيًا وعملت على تحقيقه. هذه هي السياحة المستدامة، وهذه هي أهميتها. هل يمكننا، كأفراد ومنظمات، أن نساهم في تحقيقها؟ هذا ما سأتناوله في مواضيع لاحقة حول السياحة المستدامة.