وجهات سياحية

قرية القابل.. تراث نجران الحي في بيوت طينية وأشجار نخيل

تجسد قرية القابل في منطقة نجران نموذجاً حياً للتراث المعماري والثقافي العريق، حيث تنبض أزقتها بالذكريات وتفوح جدرانها الطينية بعراقة الماضي، في لوحة تاريخية متكاملة تعكس أصالة الإنسان والمكان.

وتبرز القرية كواحدة من أهم القرى التراثية في المملكة، بما تحتويه من معالم معمارية فريدة، وبيوت طينية يزيد عمر بعضها عن ثلاثة قرون ونصف، وشبكة من الآبار القديمة التي شكّلت في يوم ما شرايين الحياة لسكانها.

تمتد قرية القابل على رقعة واسعة من الأرض تحفّها مزارع النخيل وتحيط بها الطبيعة من كل الجهات، فتحدها من الشرق مزارع الحصين، ومن الغرب قرية الجربة، بينما يمتد من الجنوب موقع الأخدود الأثري التاريخي، ويعانقها من الشمال وادي نجران، لتكتمل صورة المكان الذي يحمل ذاكرة مجتمع عاش بتفاصيله على مدى قرون.

وتبرز القرية من خلال أكثر من 200 بيت طيني، تتفاوت في ارتفاعاتها وزخارفها وتصاميمها، لتعكس مراحل البناء المختلفة التي مرّت بها المنطقة، وتوثّق تفاصيل العمارة النجرانية القديمة بكل ما تحمله من رموز ثقافية وجمالية.

استُخدمت المواد التقليدية في البناء مثل الطين والقش وخشب الأثل، وصُممت البيوت وفق نماذج معمارية شهيرة في المنطقة، منها “المربع” و”المشولق” و”المقدَّم”، وهي تصاميم متوارثة تجسد فهم الإنسان لبيئته وقدرته على تسخيرها لتأمين المأوى والاستقرار.

كما تحيط بهذه البيوت آبار مطوية قديمة، يروي كبار السن قصصها، وتتزين أطرافها بأشجار النخيل المعمرة التي تمنح المكان هيبة وسكينة.

يؤكد محمد آل هتيلة، رئيس جمعية الآثار والتاريخ بمنطقة نجران، أن القابل تمثل قيمة تراثية كبيرة، وأنها تحتضن مواقع أثرية مهمة أبرزها قرية اللجام، وهي واحدة من 34 قرية تراثية معتمدة في نجران.

ويضيف أن عناصر العمارة والتاريخ في القابل تجعل منها مرشحاً بارزاً على خارطة السياحة التراثية في المملكة، خاصة مع الجهود التي يبذلها السكان للحفاظ على ملامحها، وترميم مبانيها الطينية.

من جانبه، أشار أحد سكان القرية، محمد خضير بالحارث، إلى أن الأهالي يشعرون بالفخر بانتمائهم لهذا المكان، ويحرصون على صيانة البيوت الطينية بأنفسهم، لما تحمله من دلالات تاريخية وروحية ترتبط بالهوية والعائلة.

ويستعرض بالحارث حدود السوق القديم يوم الخميس والقرى المجاورة التي تربطها بالقابل علاقات مكانية وتاريخية، بالإضافة إلى الآبار الشهيرة مثل “أم الزوايا” و”بهجة”، والتي ما زالت أسماؤها متداولة حتى اليوم وتحمل طابعاً خاصاً في الذاكرة الجمعية لأهالي المنطقة.

تنبض قرية القابل بتاريخها وتفاصيلها، وتشكل شاهداً معمارياً وإنسانياً على مرحلة مهمة من حياة نجران، وتستمر في سرد حكاياتها القديمة من خلال جدرانها الطينية وآبارها الصامتة، وأشجارها التي تتحدى الزمن، إنها ليست مجرد قرية، بل ذاكرة حية تستحق أن تكون في صدارة المشهد السياحي والثقافي في المملكة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى