البندقية توازن بين المجد القديم والخطر القادم

تسكن بندقية ذاكرة التاريخ الأوروبي كرمز للفن والقوة البحرية والهوية الثقافية المتفردة، وتُعد واحدة من أكثر المدن الإيطالية شهرة وجذبًا للسياح، تتمركز في شمال شرق إيطاليا، على الساحل الشمالي للبحر الأدرياتيكي، وتضم أكثر من مئة جزيرة ترتبط فيما بينها بأكثر من أربعمئة جسر، ما يجعلها مدينة قائمة على الماء أكثر مما هي قائمة على الأرض، يمر عبرها عدد من القنوات التي تتحول إلى شرايين حياة، حيث تتحرك الزوارق بدلًا من السيارات وتخدم السكان والزوار على حد سواء.
تأسست المدينة في القرن الخامس الميلادي عندما لجأ سكان المناطق القريبة إلى الجزر هربًا من هجمات الشعوب الجرمانية، مع مرور الوقت، تطورت إلى كيان مستقل وقوي، وأعلنت قيام دولة البندقية، التي تحولت إلى قوة بحرية مهيبة في البحر المتوسط، توسعت سيطرتها إلى مناطق واسعة من سواحل البحر الأدرياتيكي، وبنت شبكة تجارية كانت تمتد من الشرق الأوسط إلى أوروبا الغربية، محققة ازدهارًا اقتصاديًا وثقافيًا طويل الأمد.
خلال العصور الوسطى وعصر النهضة، أصبحت بندقية مركزًا للتجارة والفنون، صدّرت الثقافة البندقية إلى العالم من خلال الموسيقى والرسم والهندسة المعمارية، وشهدت المدينة نشاطًا إبداعيًا ارتبط بأسماء مثل الرسام تيتيان والمؤلف الموسيقي فيفالدي.
احتلت ساحة سان ماركو المركز الرمزي للمدينة، وبرزت كاتدرائيتها كأحد أعظم نماذج العمارة البيزنطية في الغرب، بينما ظل قصر دوجي رمزًا للسلطة والسيادة المحلية.
سقطت المدينة عام 1797 تحت سيطرة نابليون، ثم وقعت تحت الحكم النمساوي لفترة قبل أن تنضم إلى إيطاليا الموحدة عام 1866، ورغم انتهاء دورها السياسي الكبير، احتفظت بندقية بمكانتها الثقافية، وصارت مقصدًا للسياحة الدولية، حيث تستضيف مهرجان البندقية السينمائي، أحد أقدم وأهم المهرجانات في العالم.
تواجه المدينة اليوم خطر الغرق نتيجة ارتفاع منسوب مياه البحر، مما يدفع السلطات إلى تنفيذ مشاريع هندسية طارئة للحد من تسرب المياه.
ومع ذلك، تستمر بندقية في جذب الملايين سنويًا ممن يسعون لاكتشاف قنواتها الضيقة، وجسورها التاريخية، وتراثها الفني والمعماري، في تجربة سياحية تجمع بين الماضي الحي والتحديات المستقبلية.