سوشيال ميديا

طريق الحج التاريخي يستعيد وهجه بثوب جديد

يحكي درب زبيدة، الطريق الصحراوي العريق، فصولًا من التاريخ الإسلامي العميق الممتد بين مدينة الكوفة العراقية ومكة المكرمة، حيث برز منذ قرون كواحد من أهم مسارات الحج والتجارة في العالم الإسلامي، فقد تمكن هذا الدرب، الذي يمتد بطول يقارب 1400 كيلومتر، من أن يجمع بين البعد الديني والدور الاقتصادي، جامعًا في تفاصيله بين عبقرية الهندسة الإسلامية، وروح التضامن التي ميّزت المجتمعات القديمة في خدمة الحجاج والمسافرين.

اكتسب درب زبيدة مكانة استثنائية بعد أن تم تطويره بشكل متقن خلال العهد العباسي، لا سيما في فترات ازدهار الخلافة، حين خُطط لتوفير خدمات متكاملة تعين قوافل الحجيج على عبور الصحاري الشاسعة بأقل قدر من المشقة.

تميز الطريق بوجود محطات موزعة على امتداده مثل “زُبالا” و”الشيحيات” و”فيد” و”الأجفر”، حيث وُفرت فيها المياه والطعام وأدوات الراحة.

وتم تشييد البرك والآبار في مواقع استراتيجية تضمن استمرار التزود بالمياه، حتى في أكثر المناطق جفافًا، ما عكس مستوى متقدمًا من الفهم البيئي والهندسي لدى صانعي الطريق.

أولى المسلمون اهتمامًا بالغًا بالتنظيم الدقيق لهذا الدرب، إذ وُضعت فيه أعلام حجرية مخروطية الشكل قرب مفترقات الطرق ومصادر المياه لتكون علامات إرشادية واضحة، كما استخدمت الأميال لتحديد المسافات، حيث كانت المسافة بين كل “بريد” وآخر نحو 24 كيلومترًا، مما يسر حركة القوافل وساعدها في تحديد مواقعها بدقة.

أما المناطق الرملية من الطريق، فقد رُصفت أرضياتها بالحجارة لمنع انزلاق الإبل والعربات، مما أسهم في الحفاظ على سلامة الحجاج أثناء تنقلهم.

وتواصل المملكة اليوم، في إطار رؤيتها الطموحة 2030، جهودها الحثيثة لإعادة إحياء هذا المعلم التاريخي الكبير، عبر مشاريع ترميم وتأهيل تهدف إلى إبراز العمق الحضاري للجزيرة العربية، وتحويل درب زبيدة إلى معلم سياحي ثقافي يعكس الهوية الوطنية ويربط الأجيال الجديدة بإرث أجدادهم.

ويُنتظر أن يسهم هذا المشروع في تعزيز مكانة المملكة كوجهة سياحية تراثية عالمية، ويعيد تسليط الضوء على الجهود التي بُذلت منذ قرون في سبيل خدمة ضيوف الرحمن.

إن “درب زبيدة” ليس مجرد طريق قديم، بل هو شهادة حية على عراقة الحضارة الإسلامية وحرصها على توفير وسائل الراحة والرعاية لحجاج بيت الله، وقد ظل على مر العصور رمزًا للتضحية والتخطيط والرؤية الثاقبة في تيسير شعيرة من أعظم شعائر الإسلام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى