بلدة العلا القديمة تسحر الزوار بتراثها الخالد

تُجسد بلدة العلا القديمة، الواقعة في قلب محافظة العلا شمال غرب المملكة العربية السعودية، نموذجًا فريدًا للترابط الحضاري والإنساني الممتد عبر قرون طويلة، جعل منها أحد أهم الروافد الثقافية والتاريخية في شبه الجزيرة العربية.
اكتسبت هذه البلدة شهرتها من موقعها الإستراتيجي على طريق قوافل الحج والتجارة القادمة من الشام، مما منحها أهمية تاريخية عظيمة، لا تزال تحظى بالتقدير إلى اليوم، وهو ما تُرجم باختيارها ضمن أفضل القرى السياحية في العالم لعام 2022 من قِبل منظمة السياحة العالمية.
احتضنت العلا القديمة حضارات متعاقبة تركت بصماتها في كل زاوية من زواياها، بدءًا من مبانيها المبنية من اللبن والطوب الطيني، مرورًا بأزقتها الضيقة المتشابكة التي تأخذ الزائر في رحلة عبر الزمن، وصولًا إلى الحصن التاريخي المشيد في القرن العاشر الميلادي، والذي كان يراقب البلدة وواحتها ويؤمنها من الأخطار، هذا الحصن لم يكن مجرد بناء دفاعي بل كان رمزًا لهيبة المكان ومكانته بين المناطق المحيطة، شاهداً على عصور من الزخم التاريخي والتحولات الاجتماعية.
الواحة الخصبة التي تحتضن البلدة، لم تكن يومًا عنصرًا هامشيًا في مشهد العلا، بل كانت الشريان النابض بالحياة الزراعية، والتي حولتها إلى مركز استيطاني مزدهر منذ آلاف السنين.
وتنتشر حول هذه الواحة اليوم مسارات مخصصة للمشي، تحيط بها المقاهي والمطاعم التي تقدم للزوار تجربة ساحرة تجمع بين عبق الماضي وجمال الحاضر، وسط أجواء طبيعية خضراء تنسجم مع روح المكان.
اجتماعيًا، تميزت البلدة القديمة بطابعها المتماسك والمنظم، حيث شُيد أكثر من 900 منزل من الطوب الطيني، تعكس أسلوب الحياة البسيطة والمترابطة لأهالي العلا عبر الزمن.
كما ضمت البلدة عددًا من القلاع الدفاعية التي لعبت دورًا محوريًا في تأمين الأهالي وحماية قوافل الحجاج، فضلاً عن وجود 14 بوابة كانت تُدار وفق إجراءات خاصة لتنظيم الدخول والخروج، بما يعكس درجة عالية من الوعي الأمني والإداري في تلك الفترة.
ولم تكن العلا القديمة يومًا مكانًا للماضي فقط، بل تحتضن أيضًا الفن والجمال الحديث في حي “الجديدة” المخصص للفنون، والذي يشكل اليوم نقطة التقاء بين الإبداع المعاصر والموروث الثقافي.
يضم الحي معارض فنية ومحال تجارية ومطاعم تنبض بالحياة، وتُزينه جداريات فنية ورسومات تضيف لمسة معاصرة للمكان، وتُكمل تجربة الزائر الذي يجد في العلا القديمة مزيجًا متوازنًا من الأصالة والتجدد.
تُعد البلدة القديمة في العلا اليوم أيقونة حضارية تستقطب الزوار من مختلف أنحاء العالم، ليس فقط لمشاهدة المعالم التاريخية، بل أيضًا للانغماس في أجواء تراثية وإنسانية فريدة، تُبرِز ما تمتلكه المملكة من عمق حضاري يستحق أن يُروى.