رحلة رومانسية إلى كولمار الفرنسية لعشاق الطبيعة الهادئة

اختارت مدينة كولمار الفرنسية أن تظل خارج ضجيج المدن الكبرى، محافظة على طابعها الريفي العريق الذي يفيض بالأصالة والجمال، مما جعلها واحدة من الوجهات المثالية لكل من يبحث عن ملاذ هادئ بين أحضان التاريخ والطبيعة.
تقع كولمار في قلب منطقة الألزاس، وتُعدّ لوحة فنية مفتوحة على السماء، حيث تتناثر منازلها نصف الخشبية الملونة على ضفاف القنوات المائية، وتغمر شوارعها الأزهار والروائح العطرة القادمة من مطابخها التقليدية.
هنا، تلتقي تفاصيل الماضي بسحر الحاضر، وتصبح كل لحظة من الرحلة تجربة حسية متكاملة تلامس العين والقلب في آنٍ واحد.
تجمع كولمار بين مقومات متعددة تجعلها مختلفة عن أي وجهة أخرى، فهي مدينة صغيرة الحجم ولكنها كبيرة بثقافتها وتراثها وحيويتها.
يبدأ الزائر رحلته في البلدة القديمة، حيث تتراص البيوت التاريخية بجانب بعضها البعض في مشهد يذكّر بالحكايات الأوروبية الكلاسيكية، ويقود كل شارع إلى مفاجأة معمارية مختلفة.
يمكن التوقف أمام “بيت بفستر” الشهير بجدرانه المزينة وشرفته الفريدة، أو أمام “بيت الرؤوس” الذي يعلوه 111 قناعاً منحوتاً، وكل مبنى يروي جزءاً من تاريخ المدينة الممتد لقرون، أما “بيت أدولف”، أقدم منزل في كولمار، فيحمل عبق القرون الوسطى ويمثل جزءاً حياً من الهوية المحلية.
تمثل كولمار أيضاً مكاناً مميزاً للاسترخاء والتأمل في الجمال الطبيعي، خصوصاً عند التجول في منطقة “البندقية الصغيرة” التي تُعد من أبرز معالمها، حيث تنعكس ألوان البيوت على سطح الماء في مشهد لا يُنسى.
عند حلول الليل، تتحوّل المدينة إلى معرض ضوئي مفتوح، بفضل نظام إنارة فني يُعيد رسم معالم المدينة كل مساء، لتغدو الشوارع القديمة أكثر سحراً وسط عروض الأضواء التي تتكرر أيام الجمعة والسبت، وفي المناسبات الخاصة.
وتزدهر تجربة التسوق في كولمار عبر الأسواق الخارجية والمحلات الصغيرة المتخصصة في المنتجات اليدوية الألزاسية، من الأقمشة المطرزة إلى التوابل التقليدية، مروراً بالديكورات المصنوعة يدوياً.
كما تحتضن المدينة متاجر للتحف الأنيقة ومتاجر متخصصة في الأجبان والمشروبات المحلية مثل “ساكي الألزاس”، مما يضفي على تجربة التسوق بعداً ثقافياً فريداً.
ولا تكتمل زيارة كولمار دون استكشاف المناطق المحيطة بها، حيث يمكن زيارة القرى المجاورة مثل كايزرسبيرغ، التي تُعد من أجمل قرى فرنسا، وتوفر مناظر طبيعية ساحرة ومواقع تاريخية تعود للقرن السادس عشر، بالإضافة إلى مسارات للمشي وركوب الدراجات تمر عبر كروم العنب وطرق القمم الجبلية.
كما يقدم وادي مونستر مشهداً طبيعياً متنوعاً بين الغابات الكثيفة والجبال الشاهقة والبحيرات الجبلية، ويُعد وجهة مثالية لعشاق الهدوء والطبيعة البكر.
استطاعت كولمار أن تحافظ على سحرها العريق وسط عالم متغير، وأن تخلق توازناً بين التراث والحياة العصرية، وهو ما يجعل زيارتها تجربة لا تُنسى، مليئة بالدهشة والتفاصيل التي تُحكى بعد العودة، ومثالية لكل من يبحث عن جمال صادق بعيداً عن الزحام.