الأخبار

البحر الأسود بين الجغرافيا والصراع والتنوع البيئي الفريد

يُشكّل البحر الأسود واحداً من أكثر المسطحات المائية إثارةً للاهتمام في العالم من حيث الموقع الجغرافي والخصائص البيئية والأهمية الاستراتيجية، إذ يقع بين جنوب شرق أوروبا وغرب آسيا، ويتصل بالبحر الأبيض المتوسط عبر ثلاثة مضائق طبيعية هي البوسفور، وبحر مرمرة، والدردنيل.

يحدّه من الشمال أوكرانيا وروسيا، ومن الشرق جورجيا، ومن الجنوب تركيا، ومن الغرب رومانيا وبلغاريا، ما يجعله منطقة تماس جغرافي وسياسي بين قارات وثقافات مختلفة، وأرضاً للقاء الحضارات والصراعات عبر العصور.

يتسم البحر الأسود بكونه بحراً شبه مغلق، إذ تغذيه مجموعة من الأنهار الكبرى أهمها نهر الدانوب، ثاني أطول نهر في أوروبا، إلى جانب أنهار دنيبر ودنيستر وكوبان، التي تصب في مياهه حاملة معها مواد عضوية ومعادن تؤثر في تركيب مياهه الفريد.

وتبلغ مساحته قرابة 436,000 كيلومتر مربع، بينما يصل عمقه الأقصى إلى حوالي 2,212 متراً، ما يمنحه طابعاً بحرياً عميقاً وإن كان محدود الاتصال بالمحيط الأطلسي عبر شبكة معقدة من المضائق والمسطحات.

ويمتاز البحر الأسود بخصائص بيئية لا مثيل لها، أبرزها أن مياهه تنقسم إلى طبقتين واضحتين: طبقة عليا مؤكسجة تدعم الحياة البحرية وتعيش فيها أنواع متعددة من الأسماك والكائنات الدقيقة، تعلو طبقة سفلية خالية تماماً من الأوكسجين، مشبعة بكبريتيد الهيدروجين السام، الأمر الذي يجعل الطبقات السفلى بيئة ميتة لا تصلح للحياة.

وعلى مدار التاريخ، كان البحر الأسود مسرحاً لحضارات متعاقبة مثل الإغريق والرومان والبيزنطيين، كما لعب دوراً محورياً كممر تجاري يربط الشرق بالغرب.

وفي العصر الحديث، أصبح ساحة استراتيجية خلال الحربين العالميتين، وما زال يحتفظ بأهميته الجيوسياسية، خصوصاً بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014، واندلاع النزاعات المسلحة في أوكرانيا، التي أثّرت بشكل مباشر على حرية الملاحة في مياهه.

وتكمن أهمية البحر الأسود أيضاً في موارده الطبيعية، إذ تزخر مياهه بالأسماك والنفط والغاز الطبيعي، إلى جانب احتوائه على موانئ محورية كأوديسا في أوكرانيا، ونوفوروسيسك في روسيا، وإسطنبول في تركيا، ما يجعله شرياناً تجارياً حيوياً للدول المطلة عليه، لكن في المقابل، يواجه تحديات معاصرة متزايدة تشمل النزاعات الأمنية بين روسيا والناتو، ومشاكل بيئية ناتجة عن التلوث الصناعي والصيد الجائر، التي تهدد التوازن البيئي للمنطقة.

ومن الحقائق المثيرة المرتبطة بالبحر الأسود أن علماء الجيولوجيا يعتقدون بأنه كان قبل حوالي 7500 عام مجرد بحيرة مياه عذبة، قبل أن تغمره مياه البحر المتوسط عبر البوسفور، في حدث جيولوجي يُعرف باسم “طوفان البحر الأسود”، وهو ما تؤكده آثار مدن غارقة على شواطئه، لا تزال تثير فضول علماء الآثار والباحثين حتى اليوم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى