جزر الكناري الإسبانية.. ملتقى الطبيعة والتاريخ والاقتصاد

تتربع جزر الكناري، المعروفة أيضاً باسم جزر الخالدات، على مساحة فريدة في قلب المحيط الأطلسي قبالة الساحل الشمالي الغربي لإفريقيا، على بعد نحو مئة كيلومتر فقط من الأراضي المغربية.
وتُعد هذه الجزر أرخبيلًا تابعًا لإسبانيا يتمتع بحكم ذاتي خاص، ويُصنف كواحد من أبرز المواقع السياحية والبيئية والثقافية في القارة الأوروبية، مستفيدًا من موقعه الاستراتيجي الذي جعله محطة وصل طبيعية بين أوروبا، إفريقيا، والأمريكيتين، إلى جانب ما يتمتع به من تنوع جغرافي ومناخي وثقافي يجعله مقصدًا جذابًا للسياح والباحثين عن التجربة المتكاملة.
وتتكون جزر الكناري من سبع جزر رئيسية وعدد من الجزر الصغيرة الأخرى، وتُعتبر جزيرة “تينيريفي” الأكبر من حيث المساحة بنحو 2034 كيلومترًا مربعًا، بينما تُعد “فويرتيفنتورا” ثاني أكبر الجزر، وتشتهر بشواطئها الرملية الذهبية.
أما “غران كناريا” فتتميز بكونها مركزًا اقتصاديًا وسياحيًا مزدهرًا، في حين تحظى “لانزاروت” بخصوصية جيولوجية مذهلة بسبب طبيعتها البركانية.
وتُعرف “لا بالما” بلقب “جزيرة النجوم” نظرًا لصفاء سمائها الذي يجعل منها وجهة مثالية لهواة الفلك، بينما تُعد “لا غوميرا” وجهة طبيعية ساحرة وهادئة لعشاق التنزه في الغابات، وتتمتع “إل هييرو” بكونها أصغر الجزر وأكثرها عزلة وهدوءًا.
ويبلغ عدد سكان الجزر نحو 2.2 مليون نسمة، تتركز أغلبيتهم في جزيرتي تينيريفي وغران كناريا، وتضم الجزر عاصمتين رسميتين هما “لاس بالماس دي غران كناريا” و”سانتا كروث دي تينيريفي”.
ويعود تاريخ الجزر إلى أزمنة قديمة سكنها فيها “الجوانش”، وهم السكان الأصليون ذوو الأصول الأمازيغية، قبل أن تخضع للاحتلال الإسباني في القرن الخامس عشر، وتُصبح بعد ذلك جزءًا من الدولة الإسبانية الحديثة، مع حفاظها على موروث ثقافي متميز يمزج بين الإرث الإسباني والإفريقي والعناصر الجوانشية.
ويقوم اقتصاد الجزر على ركيزتين أساسيتين هما السياحة والزراعة، إذ تستقطب أكثر من 12 مليون زائر سنويًا من مختلف أنحاء العالم، بفضل طقسها المعتدل الذي يتراوح بين 18 إلى 24 درجة مئوية طوال العام، ومناظرها الطبيعية الخلابة التي تتنوع بين الجبال البركانية مثل جبل “تيد” الذي يبلغ ارتفاعه 3718 مترًا، والشواطئ الرملية الهادئة، بالإضافة إلى المتنزهات والمحميات الطبيعية مثل “منتزه تيد الوطني”.
وتحتل الزراعة والصيد البحري مكانة مهمة كذلك، خاصة زراعة الموز والطماطم والكروم، مما يعزز الأمن الغذائي المحلي ويسهم في النشاط التجاري للمنطقة.
ورغم انتمائها إلى الدولة الإسبانية، تحتفظ جزر الكناري بخصوصيتها القانونية والإدارية، إذ تُعد منطقة ذات حكم ذاتي داخل إسبانيا، وتتمتع بتمثيل سياسي في البرلمان الوطني، كما تُعتبر جزءًا من الاتحاد الأوروبي وتستخدم العملة الأوروبية الموحدة “اليورو”.
ويستمر هذا الأرخبيل، بفضل موقعه الجغرافي الاستراتيجي، في لعب دور محوري في حركة التجارة الإقليمية والدولية، إلى جانب كونه رمزًا للاندماج الحضاري والتنوع البيئي الذي يجعل منه أحد كنوز البحر الأطلسي الحية.