مكناس تفتح أبوابها لعشاق التاريخ والفن في قلب المغرب
استقطبت مدينة مكناس المغربية اهتمام محبي السياحة الثقافية بفضل ما تزخر به من معالم تاريخية، وكنوز معمارية، ومزيج ساحر من الحضارات القديمة، وقد أصبحت وجهة مفضلة للزوار الباحثين عن تجربة هادئة ومليئة بالعمق، بعيدًا عن الصخب المعتاد في مدن مغربية أكبر مثل فاس ومراكش، رغم كونها أصغر حجمًا من جاراتها.
برزت مكناس على الخريطة العالمية كواحدة من المدن الإمبراطورية العريقة، ويظهر ذلك في ما تبقى من أسوارها الدفاعية التي تمتد لأكثر من أربعين كيلومترًا، وما تحتويه من بوابات شاهقة ومساجد عتيقة، إضافة إلى المدينة القديمة التي صُنّفت ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، حيث يتجلى التراث المغربي في أبهى صوره.
تميّزت مكناس خلال تاريخها العريق بلحظات مجد لافتة، خاصة في عهد السلطان مولاي إسماعيل، الذي حكم البلاد في القرن السابع عشر، وجعل منها عاصمة ملكه، فشيّد أسوارًا وقصورًا وبوابات ظل بعضها قائمًا حتى اليوم، ويُعد باب المنصور خير شاهد على هذه الحقبة، فهو بوابة فنية ذات نقوش دقيقة وزخارف هندسية متقنة جعلته من أبرز معالم المدينة وأكثرها تصويرًا.
احتضنت مكناس كذلك ضريح السلطان مولاي إسماعيل، وهو معلم مهيب يعكس جمالية الفن المغربي التقليدي، ويمكن لزوار المدينة دخول باحته الداخلية والتأمل في النقوش المعمارية والزخارف التي تزيّن جدرانه، رغم اقتصار دخول المسجد نفسه على المسلمين فقط، مما يمنح الزائرين فرصة فريدة لاكتشاف جزء نادر من العمارة الروحية المغربية.
يُكمل متحف الفن المغربي في قصر “جامعي” الصورة الثقافية للمدينة، إذ يتيح للزائرين الغوص في أجواء الحياة الأرستقراطية المغربية في القرن التاسع عشر، من خلال عرض قطع فنية وحرف يدوية وأثاث تقليدي، ويضم المتحف أيضًا حديقة أندلسية تزيد المكان جمالًا وهدوءًا، وتجعله نقطة جذب لهواة الفن والعمارة.
لا تكتمل زيارة مكناس دون المرور بساحة الهديم، القلب النابض للمدينة العتيقة، حيث تلتقي الحياة اليومية بالتقاليد، وتُقام الأسواق والمناسبات، وتُعد هذه الساحة نسخة أكثر هدوءًا من ساحة جامع الفنا في مراكش، كما تتيح للزائرين الاستمتاع بكوب من الشاي المغربي في أحد مقاهيها ذات الإطلالة الفريدة على باب المنصور.
إلى جانب معالمها السياحية، تشتهر مكناس بمطبخها الغني بتنوع الثقافات، حيث تمتزج التأثيرات الأمازيغية والأندلسية والأفريقية، ويعد الكسكس والطاجين بالكستناء من أبرز أطباقها، ويُعتبر شاي النعناع عنصرًا أساسيًا في طقوس الضيافة المكناسية، إذ يُقدَّم عادة في المناسبات واللقاءات العائلية.
تشكل مكناس كذلك قاعدة مثالية للانطلاق نحو مناطق سياحية قريبة، حيث يمكن تنظيم رحلات إلى مدينة وليلي الرومانية أو مدينة فاس العريقة، أو التوجه نحو مدن جبلية مثل أزرو، أو حتى الوصول إلى الرباط، ما يمنح الزائرين تجربة سياحية متكاملة تجمع بين التاريخ والطبيعة والضيافة المغربية الأصيلة.





