رواشين الوجه تحاكي التراث وتحمي البيوت بنسيم البحر
يطل “الروشن” في البلدة القديمة بمحافظة الوجه كأحد أبرز ملامح العمارة التقليدية، مجسدًا براعة الأجداد في التكيف مع طبيعة البيئة الساحلية، حيث شكّل هذا العنصر المعماري وسيلة عملية لحماية المنازل من حرارة الشمس القوية، وفي الوقت ذاته، حافظ على خصوصية السكان ومنحهم ملاذًا مريحًا في فصول الصيف الطويلة، ليظل حتى اليوم شاهدًا حيًا على إبداع معماري تراثي ارتبط بالحياة اليومية لأهالي البحر.
تميزت الرواشين في الوجه بتصميم دقيق اعتمد على استخدام ألواح من الخشب الفاخر، وزُينت بزخارف الأرابيسك ذات الأشكال الهندسية المتداخلة، مما أضفى عليها طابعًا جماليًا ووظائفيًا في آن واحد، حيث كانت الرواشين تُصمم ببروز خارجي محسوب بدقة، يسمح بدخول نسيم البحر إلى داخل البيوت، ويُسهّل حركة الهواء، ما جعلها أشبه بنظام تهوية طبيعي يُخفف من قسوة الحر، ويخلق بيئة داخلية أكثر راحة دون الحاجة لوسائل تبريد حديثة.
وفرت الرواشين أيضًا عنصرًا من عناصر الخصوصية، حيث مكّنت سكان المنازل من مراقبة الحياة في الأزقة دون أن يُكشَف ما بداخل المنازل، وهو ما يعكس الحس الجمالي والعملي في آنٍ معًا لدى المعماريين المحليين، وقد تطورت هذه التفاصيل الدقيقة لتصبح جزءًا لا يتجزأ من الهوية البصرية لبلدة الوجه القديمة، حتى تحوّلت إلى رمز يميزها عن باقي المدن الساحلية.
تحتضن البلدة القديمة في الوجه إرثًا معماريًا عريقًا، يكتمل بجدرانها الحجرية وأقواسها العربية وساحاتها الداخلية، كما تنتشر بها مبانٍ تاريخية وقلاع وأسوار، تُجسّد جماليات العمارة الإسلامية وارتباطها بالبيئة البحرية، ويُضيف موقع البلدة شمال البحر الأحمر ثقلًا تاريخيًا، حيث كانت تعرف قديمًا باسم “ميناء الحجر”، وورد ذكرها في كتب التراث العربي مثل “البلدان” لليعقوبي و”نظام المرجان” للعذري، ما يشير إلى أهميتها التجارية والثقافية كميناء لعب دورًا محوريًا في حركة الحجاج والتجار عبر قرون.
بقيت الرواشين رمزًا للعبقرية المعمارية المحلية، التي مزجت بين الفن والوظيفة، وبقي حضورها في الوجه شاهدًا على حكاية البحر والتراث، حيث لا تزال هذه النوافذ الخشبية تحكي بصمتها قصة ارتباط الإنسان بمكانه، وتُجسّد حرصه على الجمال والاستدامة والخصوصية.
