وجهات سياحية

ما هي الأسرار القديمة التي تخفيها صخور الجوف بين أعمدتها ونقوشها العتيقة؟

تستوقف منطقة الجوف شمال المملكة كل من يزورها، إذ تبدو وكأنها كتاب تاريخ مفتوح على آلاف السنين، حيث تتوزع فيها مواقع أثرية تنبض بعمق حضاري ضارب في الجذور، وتُشكّل لوحات حية تروي تفاصيل الماضي العريق للمملكة، في مشهد يمزج بين الجغرافيا والتاريخ ويمنح الزائر تجربة استثنائية، تجعل من المكان مقصدًا ثقافيًا لا يشبه غيره.

تتجلى أبرز معالم الجوف في بئر سيسرا بمدينة سكاكا، التي نُحتت في الصخر منذ الحقبة النبطية الممتدة بين القرن الأول قبل الميلاد والقرن الأول الميلادي، بعمق يصل إلى خمسة عشر مترًا، وبفتحة شرقية مهيأة لتغذية المزارع عبر قناة مائية محفورة بعناية، الأمر الذي يعكس براعة هندسية قديمة تبرهن على تطور الإنسان في استغلال الموارد الطبيعية.

ولا يقف سحر الجوف عند هذا الحد، إذ يظل موقع أعمدة الرجاجيل جنوب سكاكا نقطة جذب أساسية للباحثين والمهتمين، حيث يعود تاريخه إلى نحو ستة آلاف وخمسمائة عام، ويضم خمسين مجموعة من الأعمدة الحجرية الرملية، يصل ارتفاع الواحدة منها إلى ثلاثة أمتار، مشكلة هيئة تشبه الرجال، لتبقى رمزًا غامضًا يثير تساؤلات المؤرخين ويغذي فضول الزوار.

وفي الشرق من سكاكا، يبرز موقع نحت الجمل بوصفه واحدًا من أندر المواقع عالميًا، حيث تظهر 21 منحوتة صخرية للحيوانات بالحجم الطبيعي، منها سبعة عشر نحتًا للجمال، تعود إلى فترة تتراوح بين 5600 و5200 سنة قبل الميلاد، وهو ما يجعله من أقدم الشواهد على فن النحت الإنساني في التاريخ، ويمنحه فرادة تضيف إلى قيمة الجوف الأثرية.

ولا تقتصر الجهود على مجرد الحفظ، إذ تعمل هيئة التراث على تعزيز حضور هذه المواقع عبر برامج تعريفية متجددة وفعاليات ميدانية تتيح للزوار معايشة التجربة بشكل مباشر، إلى جانب تكثيف أعمال التطوير والحماية، بما يضمن استدامة هذه الكنوز للأجيال القادمة، ويجعلها رافدًا من روافد الاقتصاد المحلي.

وتتماهى هذه الخطوات مع مستهدفات رؤية المملكة 2030، التي أولت التراث الوطني اهتمامًا خاصًا، باعتباره عنصرًا فاعلًا في صياغة الهوية الثقافية وإبراز المملكة في المشهد العالمي، حيث تسعى إلى تحويل الجوف وغيرها من المناطق إلى وجهات سياحية وثقافية، تعكس تنوع الإرث الإنساني وتروي حكاية المكان بكل تفاصيله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى