جبل محجة.. حين تتحدث الصخور والرمال بصوت التاريخ المخبوء في قلب حائل
يحكي جبل محجة في محافظة الشملي جنوب غرب حائل قصة تاريخ طويل يجمع بين التكوينات الطبيعية الفريدة والآثار الإنسانية الضاربة في القدم، إذ تتشكل صخوره الرسوبية من طبقات متجاورة تعكس تأثيرات العصور المختلفة، وتنتشر على سطحه تجويفات وأقواس طبيعية ممزوجة برمال ذهبية تزيد من فرادته الجغرافية، فيما تحيط به الكثبان الرملية والنباتات الصحراوية مثل الأرطى والرمث والنباتات الربيعية التي تضفي عليه مظهراً متجدداً في مواسم مختلفة.
يستقطب الجبل عشاق الرحلات البرية والسياحة الطبيعية بفضل تضاريسه المتنوعة وأجوائه المعتدلة في فصلي الشتاء والربيع، حيث يتميز بوجود خمسة أجزاء بارزة تشمل كتلة صخرية صماء بارتفاع ثلاثين متراً على شكل جمل، وردهة يصل ارتفاعها إلى خمسة وعشرين متراً، وكتلة نصف مستديرة بعشرة أمتار، إضافة إلى صخرة منفردة صغيرة وبهو أعمدة أمامي بارتفاع ثلاثة وثلاثين متراً، مما يجعل الموقع مقصداً مثالياً للتخييم والمغامرات الصحراوية.
يكشف الجبل أيضاً عن جانب تاريخي غني يتمثل في آلاف النقوش والرسوم الصخرية التي تعود إلى حضارات متعددة، فقد وثقت جدرانه صوراً للجمال والخيول والغزلان والأسود، إلى جانب مشاهد لرجال في أنماط معيشية مختلفة، كما تزينه النقوش الثمودية التي حفظت تفاصيل عن الحياة والعادات، ويُعرف أحد أجزائه بما يشبه “مدونة المسافرين” نتيجة ترك القوافل والرحالة آثارهم عليه خلال مرورهم عبر طرق التجارة القديمة التي عبرت المنطقة.
أكدت هيئة التراث أن جبل محجة يمثل سجلاً حيّاً لتاريخ المنطقة، فهو ليس مجرد معلم طبيعي وإنما شاهد على تفاعل الإنسان مع بيئته منذ آلاف السنين، وأوضحت أن الموقع يأتي ضمن شبكة واسعة من الفنون الصخرية في حائل التي تحتضن أكبر وفرة للنقوش الثمودية على مستوى المملكة، مشيرة إلى أن العديد من مشاريع المسح والتوثيق ساعدت في الكشف عن تفاصيل جديدة عززت قيمته العلمية والثقافية.
يحظى الجبل أيضاً باهتمام الباحثين والمؤرخين الذين وجدوا فيه مادة غنية للدراسة والتحليل، إذ تناولت كتب ودراسات متخصصة النقوش الثمودية والرسومات الصخرية الموجودة على جدرانه، كما جذب الموقع في القرون الماضية اهتمام الرحالة الغربيين الذين وصفوه في كتاباتهم، واليوم أصبح وجهة سياحية وثقافية بارزة تجذب الزوار المحليين والدوليين وتساهم في إبراز حائل كمركز مهم للتراث الطبيعي والإنساني.
