برج غلاطة يسرد ذاكرة إسطنبول بين التاريخ والسماء
يستقطب برج غلاطة في إسطنبول آلاف الزوار يوميًا، ويُعد واحدًا من أبرز المعالم التاريخية في المدينة، حيث يجمع بين العمق التاريخي والإطلالة البانورامية التي تكشف تفاصيل المدينة القديمة ومضيق البوسفور والقرن الذهبي، ويقع البرج في حي غلاطة بمنطقة بيوغلو، ويُعتبر من الرموز المعمارية التي تربط بين ماضي المدينة العريق وحاضرها النابض بالحياة، كما أُدرج منذ عام 2013 ضمن القائمة المؤقتة لمواقع التراث العالمي التابعة لليونسكو، تقديرًا لقيمته التاريخية والمعمارية الفريدة.
بدأت قصة البرج في القرن الخامس الميلادي حين أمر الإمبراطور البيزنطي جستنيان ببناء برج خشبي ضخم أُطلق عليه اسم “البرج العظيم” لمراقبة القرن الذهبي وحماية المدينة، إلا أن الحروب والحرائق والزلازل التي ضربت إسطنبول تسببت في تدميره بالكامل خلال الحملة الصليبية الرابعة، وبعد قرون من الدمار، أعاد الجنويون بناء البرج بالحجارة عام 1348، تحت اسم “برج المسيح”، ليصبح رمزًا للقوة البحرية والتجارية التي تميزت بها جمهورية جنوة في تلك الحقبة.
شهد البرج عبر العصور استخدامات متعددة، فبعد الفتح العثماني لإسطنبول في القرن الخامس عشر، تحول إلى برج مراقبة يستخدم لرصد الحرائق في المدينة، كما استُخدم في فترات أخرى كسجن ومخزن للأسلحة، وأدى هذا التنوع في الوظائف إلى الحفاظ على البرج باعتباره عنصرًا حيويًا في حياة المدينة لقرون طويلة، وأصبح شاهدًا على التحولات السياسية والاجتماعية التي مرت بها الإمبراطورية العثمانية والعصور التي تلتها.
أعيد ترميم البرج في ستينيات القرن الماضي بعد أن أصابه الإهمال لفترة طويلة، وتم تحويله إلى معلم سياحي ومتحف مفتوح، يتيح للزوار الصعود إلى قمته عبر مصعد حديث والوصول إلى منصة مراقبة بزاوية 360 درجة، تكشف المنظر الكامل لإسطنبول القديمة بمآذنها وأسواقها وشوارعها الضيقة، ويتيح هذا الموقع تجربة تجمع بين التاريخ والمعاصرة، حيث يمكن للزائر أن يعيش تفاصيل الماضي ويشاهد امتداد المدينة الحديثة في آن واحد.
تحرص السلطات التركية على صيانة البرج بانتظام وضمان سلامة الزوار، ويفتح أبوابه يوميًا من الساعة الثامنة والنصف صباحًا حتى الحادية عشرة مساءً، ليستقبل مئات الزوار الذين يصطفون عند مدخله يوميًا، ويُعتبر اليوم من أهم نقاط الجذب السياحي في إسطنبول، ورمزًا للمكانة الثقافية التي تجمع بين الشرق والغرب، ويستمر في لعب دوره كجسر بين تاريخ المدينة وحاضرها الحديث، في مشهد يجسد تفاعل الزمن مع الحجر.





