الأخبار

صخور مويراكي.. كرات الأرض التي حفظت سرّ الزمن القديم

تُدهش صخور مويراكي الواقعة على شاطئ كويكوهي في ساحل أوتاغو بنيوزيلندا كل من يزورها، إذ تنتشر على الرمال الساحلية كأنها أجرام سماوية هبطت من الفضاء، بينما هي في الحقيقة شاهد صامت على ملايين السنين من التاريخ الجيولوجي للأرض.

تشكلت هذه الصخور الفريدة قبل أكثر من 60 مليون عام، حين بدأت رحلتها في أعماق بحر قديم بجسيمات دقيقة تراكمت تدريجيًا حتى تحولت إلى كرات حجرية ضخمة تشبه القباب الصغيرة المتناثرة على الشاطئ.

تعود قصة هذه الصخور إلى عملية علمية نادرة تُعرف باسم “التحجر”، تبدأ حين تتجمع مواد معدنية مثل الكالسيت والطمي حول نواة صغيرة، كقوقعة أو قطعة من العظام، ثم تتبلور هذه الطبقات واحدة تلو الأخرى عبر العصور حتى تُكوّن كتلًا صلبة متجانسة.

وما يثير الإعجاب أن بعض هذه الصخور يبلغ قطره مترين، أي بحجم إنسان بالغ تقريبًا، ومع ذلك احتفظت بشكلها الكروي شبه المثالي رغم تعرّضها لعوامل الطبيعة القاسية.

ويصف علماء الجيولوجيا صخور مويراكي بأنها “كبسولات زمنية”، لأنها تحتفظ في داخلها بعناصر ومعادن تكشف الكثير عن طبيعة البيئة البحرية القديمة التي وُلدت فيها، ما يجعلها مصدرًا علميًا مهمًا لفهم تاريخ الأرض الجيولوجي.

أما من الخارج، فسطوحها الملساء والمتشققة بفعل التعرية تمنحها مظهرًا غامضًا يدفع الزائرين إلى التساؤل عن أصلها، وكأنها رسائل من زمن لم يعرف الإنسان بعد.

لكن العلم ليس وحده من أولى اهتمامه بهذه الصخور، إذ نسج السكان الأصليون من شعب الماوري حولها أساطير جميلة تملأها الرمزية والخيال، فهم يرون أن صخور مويراكي ليست مجرد أحجار، بل هي بقايا سلال طعام وسلال أسماك تحجرت بعد تحطم سفينة أسطورية كانت تحمل خيرات البحر إلى اليابسة، ومنذ ذلك الحين، أصبحت هذه الصخور بالنسبة لهم رمزًا مقدسًا للطبيعة والعطاء والاستمرار.

اليوم، تحولت صخور مويراكي إلى وجهة سياحية بارزة تجذب الزوار من أنحاء العالم، ليس فقط لجمالها الساحر، بل لما تمثله من تداخل مذهل بين العلم والأسطورة، بين الواقع والخيال، يقف السياح أمامها مذهولين من شكلها الكروي الدقيق ومن حجمها المهيب، بينما تغمرها أمواج المحيط من حين لآخر في مشهد يختصر ملايين السنين في لحظة واحدة من التأمل، إنها تحكي قصة الأرض بلغتها الصامتة، وتذكّر الإنسان بمدى صغره أمام عظمة الزمن والطبيعة التي صنعت كل شيء بصبر لا يُقاس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى