الصحراء البيضاء في الفرافرة تكشف عن أسرار بحر قديم عمره ملايين السنين
تجذب الصحراء البيضاء في واحة الفرافرة غرب مصر أنظار الزائرين والباحثين عن أماكن طبيعية خارجة عن المألوف، إذ تمتد على مساحة شاسعة من الرمال البيضاء والتكوينات الصخرية الفريدة التي تشكلت عبر ملايين السنين، فتبدو كأنها مشهد من كوكب آخر، ومع ذلك فهي لا تبعد سوى خمس ساعات فقط بالسيارة عن القاهرة، ما يجعلها أحد أكثر المواقع الطبيعية إثارة في البلاد.
وتتميز الصحراء البيضاء بلونها الكريمي المائل إلى البياض الذي يعكس أشعة الشمس في مشهد بصري مبهر، حيث تشكلت تضاريسها الحالية بفعل عوامل التعرية والرياح والرمال على مدى العصور، وخلّفت وراءها صخورًا كلسية ضخمة نحتتها الطبيعة في أشكال متعددة مثل الفطر والدجاجة وغيرها من التكوينات الغريبة التي أصبحت رموزًا مميزة للمكان.
ويعود تاريخ هذه الصخور إلى العصر الطباشيري الذي يعود إلى نحو 70 مليون سنة، حين كانت المنطقة جزءًا من بحر تيثيس القديم الذي غمر أجزاء واسعة من شمال إفريقيا، ومع انحسار المياه ومرور الزمن، تراكمت طبقات الحجر الجيري وظهرت الحفريات البحرية في أنحاء المنطقة، وتشير هذه الحفريات إلى تغيرات مناخية وجيولوجية كبيرة شهدتها الأرض في تلك الحقبة.
ويصف الزوار الصحراء البيضاء بأنها متحف طبيعي مفتوح، إذ تنتشر في أرجائها بقايا الأحياء البحرية القديمة التي تؤكد أن المكان كان في زمن بعيد تحت سطح البحر، كما توفر طبيعتها الفريدة بيئة مثالية لهواة التصوير وعشاق المغامرة الذين يقصدونها للاستمتاع بسكونها وجمالها النقي بعيدًا عن صخب المدن.
وتعد واحة الفرافرة، التي تحتضن الصحراء البيضاء، إحدى أكثر المناطق عزلة وهدوءًا في الصحراء الغربية، إذ يعيش فيها عدد محدود من السكان يعتمدون على الزراعة وتربية الماشية والسياحة البيئية، وتوفر السلطات المحلية رحلات منظمة للزوار تتضمن التخييم والمشي بين التكوينات الصخرية ومشاهدة الغروب وسط مشاهد لا تتكرر في أي مكان آخر.
وتعمل وزارة البيئة المصرية بالتعاون مع منظمات محلية ودولية على حماية الصحراء البيضاء باعتبارها محمية طبيعية منذ عام 2002، بهدف الحفاظ على نظامها البيئي الفريد ومنع الأنشطة التي قد تؤثر على توازنها الطبيعي، كما يجري الاهتمام بتطوير السياحة المستدامة في المنطقة لتشجيع الزوار على الاستمتاع بها دون الإضرار ببيئتها الحساسة.
وتبقى الصحراء البيضاء رمزًا للجمال الطبيعي النادر الذي يجسد تفاعل الزمن مع الطبيعة، ويمنح الزائر شعورًا بالدهشة والسكينة في آن واحد، فهي مكان يجمع بين التاريخ والجيولوجيا والجمال في لوحة أرضية لا مثيل لها في العالم.





