تراجع غير مسبوق يضع الجواز الأمريكي خارج دائرة القوة العالمية
تتراجع الولايات المتحدة للمرة الأولى منذ عقدين عن قائمة أقوى عشرة جوازات سفر في العالم وفق تصنيف مؤشر “هينلي” لعام 2025، وهو المؤشر الذي يقيس حرية السفر من دون تأشيرة أو بتسهيلات الدخول المسبق.
ويكشف هذا التراجع عن تحول واضح في موازين القوة الناعمة والتنقل العالمي، إذ هبط جواز السفر الأمريكي إلى المرتبة الثانية عشرة متساويًا مع ماليزيا، بعد أن كان في الصدارة عام 2014 وظل حتى منتصف هذا العام ضمن المراتب العشر الأولى.
احتلت سنغافورة المركز الأول عالميًا مع إمكانية السفر إلى 193 وجهة من دون تأشيرة، تلتها كوريا الجنوبية بـ 190 وجهة، ثم اليابان بـ 189 وجهة، بينما تراجعت الولايات المتحدة إلى 180 وجهة فقط، أي أقل بثلاث عشرة وجهة عن اليابان صاحبة المركز الثالث.
ويعتمد المؤشر على بيانات اتحاد النقل الجوي الدولي التي تجمعها شركة “هينلي وشركاؤه” في لندن، ما يمنحه دقة عالية في تتبع التغيرات في سياسات الدخول والإعفاءات من التأشيرات حول العالم.
يعود هذا التراجع الأمريكي إلى سلسلة قرارات دبلوماسية متبادلة، إذ ألغت البرازيل في أبريل الماضي دخول الأمريكيين من دون تأشيرة، واتبعت كندا وأستراليا المصير نفسه بسبب غياب مبدأ المعاملة بالمثل.
كما استبعدت الصين الولايات المتحدة من قائمة الدول التي منحتها إعفاءات جديدة رغم توسعها في سياسات الانفتاح تجاه أوروبا ودول الخليج، فيما رفعت دول أخرى مثل بابوا غينيا الجديدة وميانمار تصنيفها عبر تسهيلات إضافية، مما أدى تلقائيًا إلى هبوط ترتيب واشنطن في المؤشر.
شهدت القارة الآسيوية صعودًا لافتًا في هذا السياق، إذ تصدرت ثلاث دول من شرقها المراتب الأولى، بينما أحرزت الصين تقدماً من المرتبة 94 عام 2015 إلى 64 عام 2025 بعد حصول مواطنيها على حرية السفر إلى 37 وجهة إضافية خلال عقد واحد، وهو ما اعتبرته التقارير دليلاً على نجاح بكين في استثمار أدواتها الدبلوماسية والاقتصادية لتعزيز انفتاحها، مقابل تراجع نسبي في النفوذ الأمريكي الذي كان تاريخيًا مرتبطًا بحرية التنقل واتساع العلاقات الدولية.
ترافق هذا الانحدار الأمريكي مع تراجع مشابه في ترتيب بريطانيا التي كانت الأولى عام 2015، إذ هبطت الآن إلى المركز الثامن بعد فقدانها مركزين منذ يوليو الماضي، بينما صعدت الإمارات العربية المتحدة إلى المركز ذاته بعد قفزة كبيرة خلال العقد الأخير من المرتبة الثانية والأربعين، ما يجعلها من أسرع الدول تقدمًا في حرية التنقل عالمياً، فيما لا تزال أفغانستان وسوريا والعراق في ذيل القائمة بفارق 169 وجهة عن سنغافورة صاحبة الصدارة.
يرى كريستيان كايلين، رئيس شركة “هينلي وشركاؤه”، أن التراجع الأمريكي لا يتعلق بتغيير في الأرقام فقط، بل يعكس تحوّلاً في طبيعة العلاقات الدولية، إذ إن الدول التي تبني جسور التعاون والانفتاح تحقق مكاسب ملموسة في حرية السفر، بينما التي تتمسك بامتيازات القوة القديمة تجد نفسها في تراجع متسارع، ما يؤكد أن الجواز لم يعد مجرد وثيقة عبور بل أصبح مقياسًا فعليًا لمكانة الدولة في النظام العالمي الجديد.





