مهرجان ملح القريات يحيي تراث المهنة ويجذب آلاف الزوار
استعاد مهرجان “قريات الملح” في منطقة الجوف ذاكرة الحرفة القديمة التي شكّلت ملامح الحياة في محافظة القريات، وارتبطت بها تسميتها التي اشتهرت بها عبر العقود، لتصبح اليوم رمزًا للهوية المحلية ورافدًا اقتصاديًا وثقافيًا يعكس عمق التراث السعودي، فقد نجح المهرجان في نسخته الأخيرة في جذب أكثر من 20 ألف زائر خلال ثلاثة أيام فقط، مقدّمًا أكثر من 60 فعالية متنوّعة مزجت بين الترفيه والتاريخ والابتكار.
وشكّلت مهنة استخراج الملح منذ القدم مصدرًا أساسيًا لاقتصاد الأهالي في القريات، إذ تبدأ مراحل إنتاجه بتجميع المياه في مواقع الممالح وتجفيفها بأشعة الشمس حتى تتكوّن مجاميع الملح البيضاء التي تُجمع يدويًا في مشهدٍ يتوارثه الأبناء عن الآباء جيلاً بعد جيل.
وتُستخدم هذه المادة لاحقًا ضمن المكونات الغذائية الأساسية، لتبقى جزءًا من المائدة السعودية، وجزءًا آخر من تاريخٍ متجذر في تفاصيل المكان.
وسعى مهرجان القريات هذا العام إلى تسليط الضوء على هذه المهنة العريقة من خلال فعاليات حيّة تُعيد تمثيل طرق استخراج الملح التقليدية، حيث قدّم الحرفي مسلم مبارك الجوفي عرضًا تفاعليًا يوضح طريقة استخدام أدوات الإنتاج القديمة مثل “القُفّة” الجلدية نصف الدائرية التي تُستخدم لتصفية المياه والإبقاء على الملح، و”المكحار” الخشبي الذي تُسحب به المياه لتعبئتها داخل القُفة، في عرضٍ استقطب اهتمام الزوار من مختلف الأعمار.
وتمازجت في أرجاء المهرجان أصوات الأهازيج الشعبية التي كان يرددها العاملون في الماضي أثناء جمع الملح، لإحياء الروح التراثية وبعث الأجواء القديمة في ذاكرة الحضور، حيث أدّى المشاركون الأغاني الشعبية القديمة بلحنٍ جماعي يوحي بالتماسك وروح الفريق، ما أضفى على الحدث بعدًا إنسانيًا وثقافيًا أعاد للمكان نبضه التراثي الأصيل.
وأوضح الجوفي أن “سبخة كاف” كانت من أبرز مواقع الممالح القديمة في القريات، إذ كانت مياه الأمطار والسيول تتجمع فيها لتبدأ عملية الاستخراج، بينما تُعتمد اليوم مواقع جديدة قرب “قرية إثرة”، حيث تُنشأ القنوات المستطيلة المعروفة بـ”المطوخ” لتجفيف المياه بواسطة حرارة الشمس، إضافة إلى “القلبان” التي تُستخدم لحفر تجمعات المياه الدائرية والعميقة، وهي تقنيات ما زال الأهالي يحافظون عليها كجزء من موروثهم العملي.
ونُظّم المهرجان من قِبل أمانة منطقة الجوف ممثلة في بلدية القريات، ليكون نافذة سياحية وثقافية تُبرز جماليات المنطقة وتنوّعها التراثي.
وضم الحدث سوقًا متكاملًا للملح بمشاركة أكثر من 70 جناحًا للأسر المنتجة والصناعات التحويلية المحلية، إضافة إلى “متحف الملح” الذي عرض أدوات الاستخراج القديمة ومجسمات تعليمية تُعرّف الزوار بتاريخ هذه المهنة ودورها في تشكيل هوية القريات الاقتصادية والاجتماعية.
ويُعد مهرجان قريات الملح اليوم أحد أبرز الفعاليات التراثية في شمال المملكة، لما يقدّمه من تجربةٍ تجمع الماضي بالحاضر، وتربط بين التراث والتنمية السياحية، بما يعزّز روح الانتماء والفخر بتاريخ المنطقة، ويدعم في الوقت ذاته مكانة القريات كوجهةٍ سياحية واعدة تستمد تفرّدها من موروثٍ محليٍ نادرٍ تحوّل إلى علامةٍ من علامات الأصالة السعودية.





