سقطرى اليمنية.. جزيرة الخيال التي تحرس أسرار الطبيعة منذ الأزل
تتجلّى سقطرى كأعجوبة لا تشبه سواها، إذ تبدو الجزيرة اليمنية كقطعة سحرية انفصلت عن الزمن، تروي حكاية الجمال النادر الذي وُلد من عزلة البحر ودفء الشمس، وتُدهش كل من يقترب منها بفرادة تضاريسها وهدوء ملامحها، حتى ليُخيَّل للزائر أنه عبر بوابة إلى عالم آخر لم تمسّه يد الإنسان بعد، هذه الجزيرة الواقعة في قلب المحيط الهندي تُعرف عالميًا باسم “غالاباغوس الشرق” لما تحتضنه من تنوعٍ بيولوجي نادر جعلها محط أنظار العلماء وعشاق الطبيعة.
تحتضن سقطرى أكثر من 700 نوع من الكائنات الحية والنباتات، ثلثها لا يوجد في أي مكان آخر على وجه الأرض، ويأتي في مقدمتها شجرة دم التنين التي أصبحت رمزًا خالدًا للجزيرة، تقف شامخة كأنها كائن أسطوري يروي بصموده قصة آلاف السنين، وتُدهش الباحثين بقدرتها على التكيّف وسط الظروف المناخية القاسية، حتى غدت شاهدًا على علاقةٍ فريدة بين الأرض والحياة.
ورغم قسوة الرياح التي تعصف بجروفها العالية، إلا أن سقطرى ما زالت تزهر بألوان الطبيعة، وتمنح زائرها إحساسًا نادرًا بالسكينة والانفصال عن صخب العالم.
تعكس الجزيرة درسًا عميقًا في معنى التوازن البيئي، إذ تُظهر كيف يمكن للعزلة أن تصنع جمالًا لا يُفسَّر، وكيف يستطيع المكان حين يُترك لينمو بحرّيته أن يكشف عن أسرار الطبيعة الأعظم، فكل شجرة وصخرة فيها تحكي قصة عن البقاء والانسجام، وعن قدرة الأرض على إبداع أشكال من الحياة تتحدى المنطق.
وهنا يبدو الإنسان كضيفٍ عابرٍ في حضرة الجمال، مطالب بأن يكتفي بالمشاهدة دون أن يفسد، وأن يدرك أن حماية مثل هذه الجزر مسؤولية مشتركة تتجاوز حدود الدول لتصبح التزامًا إنسانيًا تجاه الكوكب كله.
ورغم عزلتها الطويلة، بدأت سقطرى تجد طريقها إلى الوعي السياحي العالمي، إذ يقصدها المغامرون والباحثون عن الهدوء لتجربة فريدة لا تشبه سواها، فينام الزائر على وقع أمواج المحيط ويستيقظ على أصوات الطيور النادرة التي تملأ الفضاء، بينما تتلألأ السماء ليلًا بصفاءٍ نادر يتيح رؤية المجرات كأنها قريبة من اليد، لكن هذا الإقبال السياحي يحمل تحديًا مزدوجًا؛ بين رغبة الاكتشاف وضرورة الحفاظ على التوازن الهش الذي يمنح الجزيرة روحها، لتظل سقطرى كما كانت دومًا، شاهدة على أن الجمال الحقيقي هو ذاك الذي يُحترم ولا يُستغل.
إن سقطرى ليست مجرد وجهة سياحية، بل حكمة مرئية تُلخّص علاقة الإنسان بالأرض، وتذكّرنا بأن الكوكب ما زال يحتفظ بأسراره رغم كل ما غيّرته الحضارة، فإذا كان للعالم مكان واحد يستحق أن يُرى قبل أن يختفي، فهو بلا شك سقطرى، حيث تلتقي الأسطورة بالحقيقة، وتُولد الدهشة من رحم الصمت.











