قصة الوادي المبارك الذي استحال ممشى سياحياً يجمع التاريخ والطبيعة
يمثل ممشى وادي العقيق إحدى أبرز الوجهات السياحية المفتوحة في المدينة المنورة، إذ يجمع الموقع بين القيمة التاريخية والدينية العميقة والطبيعة الخلابة التي تأسر الأنظار، ويقدم للزوار تجربة متكاملة في بقعة ارتبطت بالسيرة النبوية الشريفة وشهدت وقائع موثقة في التاريخ الإسلامي العريق.
يمتد هذا المسار الحيوي على ضفاف أحد أشهر أودية المنطقة المعطاءة، وقد ورد ذكر الوادي في الأحاديث النبوية الصحيحة التي أكدت على بركة المكان وقداسته، وهو ما منح الممشى مكانة خاصة لدى الزوار المهتمين بالسياحة الدينية والباحثين عن استحضار التراث المعماري القديم.
يطل الممشى على معالم تاريخية بارزة من بينها قصور الصحابة الكرام، حيث يقع في محيطه قصر سعد بن أبي وقاص وقصر عروة بن الزبير رضي الله عنهما، وتنتشر في أرجائه نقوش وكتابات أثرية محفورة على الأحجار الصماء، لتروي قصصاً من الحضارة الإسلامية التي قامت على هذه الأرض.
يبعد هذا المتنفس الطبيعي حوالي ستة كيلومترات فقط عن المسجد النبوي الشريف، وتعتبر الجامعة الإسلامية من أقرب المعالم العمرانية البارزة التي تحيط بهذا الموقع الاستراتيجي، مما يسهل وصول الزوار إليه ضمن المسارات السياحية المعتمدة داخل المدينة المنورة على مدار الساعة.
نُفذ المشروع بطول يصل إلى ألف وستمائة متر وعرض متوسط يبلغ أربعة عشر متراً، وتقدر المساحة الإجمالية للممشى بنحو ستة عشر ألفاً وخمسمائة متر مربع تقريباً، وتأتي هذه الخطوة ضمن مشروع التأهيل البيئي الشامل لوادي العقيق الرامي لتطوير المناطق المحيطة وتحسين المشهد الحضري.
روعي في تصميم الممشى تحقيق التوازن الدقيق بين البيئة العمرانية والطبيعة البكر، وجهزت المسارات بوسائل حديثة تشمل نقاطاً مخصصة للجلوس والاستراحة تحت ظلال الأشجار، واستخدمت أنظمة إنارة هندسية متطورة تبرز الجماليات الليلية للموقع وتضمن سلامة المرتادين خلال جولاتهم المسائية الهادئة.
تزين ساحات الممشى أشجار النخيل التي تشتهر بها مزارع المدينة المنورة الطيبة، وتنتشر الأشجار الظليلة على طول المسارات لتوفر الحماية من أشعة الشمس وتضفي لمسات جمالية خضراء، واستخدمت في الأرضيات أحجار البازلت والجرانيت المانعة للانزلاق لضمان أعلى معايير الأمان لممارسي الرياضة.
يمثل الممشى متنفساً سياحياً واجتماعياً مفتوحاً يستقطب أهالي المدينة وزوارها طوال العام، حيث يوفر فرصة مثالية لممارسة رياضة المشي في أجواء نقية تجمع بين عبق التاريخ وسحر الطبيعة، ويسهم في تعزيز جودة الحياة عبر توفير بيئة حضرية صحية ومستدامة للجميع.
يأتي هذا المشروع الطموح ضمن منظومة الجهود المستمرة لتنشيط السياحة الداخلية في المملكة، ويهدف إلى إبراز المدينة المنورة بوصفها وجهة عالمية تجمع بين الأصالة التاريخية والتطوير المعاصر، بما ينسجم تماماً مع مستهدفات رؤية المملكة العربية السعودية الطموحة في القطاع السياحي.
يستحضر الزوار خلال تجولهم في هذا المسار البعد الروحاني لوادٍ وصفه النبي بالوادي المبارك، وتتكامل في الممشى عناصر الجذب السياحي التي تجعل منه أيقونة حضارية فريدة في المنطقة، ليبقى شاهداً حياً على اهتمام القيادة بتطوير المواقع التاريخية وربط الإنسان بهويته وتراثه الأصيل.





