تجارب سائح

بزوغ أعمدة النور بين بلورات الجليد في سماء الحدود الشمالية

سجلت سماء منطقة الحدود الشمالية رصداً لظاهرة فلكية وبصرية فريدة تمثلت في ظهور ما يعرف بالعمود الضوئي، حيث تشكلت أعمدة نورانية رأسية امتدت في الأفق مخترقة سكون الليل ومثيرة لاهتمام الأهالي، وقد سارع المهتمون بالظواهر الطبيعية لتوثيق هذا المشهد الذي بدا كخيوط من الضوء معلقة بين الأرض والسماء.

أوضح عضو نادي الفلك عدنان خليفة أن هذا العمود الضوئي يندرج تحت تصنيف الظواهر البصرية الجوية، إذ يتشكل نتيجة تفاعلات فيزيائية معينة داخل الغلاف الجوي تظهر على هيئة عمود رأسي، ويبرز هذا التأثير الضوئي عادة في مستويات أعلى أو أسفل المصدر الباعث للنور وفقاً للظروف المناخية السائدة في المنطقة.

يعود السبب العلمي لنشوء هذا المشهد إلى انعكاس الضوء على بلورات ثلجية دقيقة تكون عالقة في السحب، حيث تعمل هذه الجسيمات المتجمدة الموجودة في الهواء كمرآة عاكسة تعيد توجيه الإشعاع البصري، وتلعب برودة الأجواء في المناطق الشمالية دوراً أساسياً في تشكل هذه البلورات التي ترسم لوحات ضوئية في الفضاء.

تتنوع مصادر الضوء المسببة لهذه الظاهرة بين المصادر الطبيعية كأشعة الشمس عند اقترابها من خط الأفق، وفي هذه الحالة يطلق عليها العلماء والباحثون تسمية ظاهرة عمود الشمس التي تظهر بوضوح، كما يمكن لضوء القمر في حالات معينة أن يسبب الانعكاس ذاته مفرزاً أعمدة ضوئية باهتة لكنها مرئية بوضوح للعين المجردة.

تساهم المصادر البشرية في خلق هذه الظاهرة البصرية الرائعة عبر انعكاس إنارة الشوارع والمصابيح القوية، حيث تتفاعل الأضواء الاصطناعية مع طبقات الجو الباردة لترسل شعاعاً ممتداً نحو الأعلى، وهو ما يمنح المدن مشهداً بصرياً جذاباً يجمع بين التطور العمراني وعجائب الطبيعة الفيزيائية التي تحدث فوق رؤوسنا باستمرار.

يتابع المتخصصون في علم الفلك هذه الظواهر بدقة لتحليل علاقة درجات الحرارة بتشكل البلورات الثلجية، وتعتبر منطقة الحدود الشمالية بيئة خصبة لمثل هذه الأحداث نظراً لخصائصها المناخية التي تسمح بتكون الجليد العالق، مما يجعل من سمائها مختبراً مفتوحاً لرصد التغيرات الضوئية التي تدهش السكان والزوار على حد سواء.

تؤثر زاوية سقوط الضوء على البلورات المسطحة في تحديد مدى طول ووضوح العمود المشاهد في الأفق، فكلما كانت البلورات أكثر انتظاماً في الهواء زاد تألق العمود الضوئي ووضوح معالمه للراصدين من مسافات بعيدة، وتظل هذه الحالات الجوية مصدر إلهام للمصورين الذين يحرصون على التقاط لحظات التلاقي بين الضوء والبرودة.

يستمر شغف المتابعين في تتبع حركة السحب والرياح التي قد تشتت هذه الأعمدة أو تزيد من كثافتها، ويمثل هذا التفاعل البصري جزءاً من التنوع الطبيعي الذي تذخر به المملكة العربية السعودية في مناطقها المختلفة، حيث يضيف العمود الضوئي قيمة جمالية وعلمية تضاف إلى السجل الحافل بالظواهر الكونية المرصودة محلياً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى