كيف حافظت عائلات تركية على إرثها الغذائي لأكثر من قرن
تعد البقلاوة رمزاً أصيلاً للمطبخ التركي، حيث تجسد تاريخاً ممتداً من الإبداع في دمج رقائق “الفيلو” مع المكسرات والزبدة الصافية، وتتفرد إسطنبول بتقديم هذه الحلوى التقليدية التي تعبر عن هوية البلاد العتيقة، وتجذب الباحثين عن نكهات العسل والتوابل الشرقية في كل زاوية من زوايا المدينة القديمة.
بدأت حكاية هذه الحلوى منذ العصر الآشوري حوالي عام ثمانمائة قبل الميلاد، إذ تشكلت من طبقات خبز رقيقة حشيت بالمكسرات المفرومة بعناية، وانتقلت هذه الوصفة عبر العصور حتى بلغت ذروتها في العهد العثماني، مما جعل تحديد أصلها الجغرافي الدقيق محل نقاش مستمر بين الحضارات القديمة التي تداولت سر صنعتها.
يعتمد المذاق الفارق للبقلاوة على سماكة رقائق العجين التي يجب أن تشبه الورق، وتوزع بين طياتها كميات سخية من الزبدة الصافية والمكسرات المختارة بعناية، ثم تترك لتتشرب شراب السكر الممزوج بالعسل والتوابل الفواحة، لضمان قوام مقرمش يذوب في الفم ويمنح شعوراً بالبهجة يمتد لقرون من الزمن.
يتصدر متجر كاراكوي غولو أوغلو قائمة الوجهات التاريخية بفضل خبرة عائلته العريقة، حيث يقدم أنواعاً مبتكرة تشمل البقلاوة الخالية من الغلوتين وبقلاوة الشوكولاتة، بالإضافة إلى ابتكاره العصري المتمثل في “برجر البقلاوة” الذي يمزج التراث بالحداثة، لتظل مخبوزاته الطازجة يومياً مقصداً لا يغيب عن خطط السائحين.
تحافظ عائلة كوسكيروغلو على إرثها الذي انطلق من غازي عنتاب منذ أربعينيات القرن الماضي، وتتميز بالاعتماد الكلي على الأفران المشتعلة بالحطب الطبيعي لطهي كميات محدودة، مع الحرص على جلب كافة المواد الخام من الفستق والزبدة من مصادرها المحلية الأصلية، لتقديم وصفة تقليدية لم تعبث بها الإضافات الصناعية الحديثة.
يشتهر مطعم غازي بورما مصطفى في منطقة بنديك بتقديم تجربة أصيلة منذ عقود، حيث يركز على إبراز النكهات الطبيعية للمكسرات والدقيق الفاخر دون محليات صناعية، ويوفر للزوار تشكيلة واسعة من البقلاوة والسوبيا التي تحافظ على توازن مثالي، مما جعل اسمه مرادفاً للجودة في الأوساط المحلية والسياحية.
يقدم كاسيبياز تجربة متكاملة تجمع بين فنون المشويات والحلويات الشرقية الفاخرة، ويمتاز باستخدام فستق عنتاب الشهير داخل عجينة رقيقة جداً ومقرمشة تشبه الورق، ويحرص المطعم على تقديم شرائح الجزر بالزبدة المصفاة كخاتمة مثالية لطبق الكباب، مستنداً إلى خبرة تمتد لأكثر من أربعين عاماً في جغرافيا الأناضول.
تعتني عائلة سيفيم في متجر أمير أوغلو بتقديم وصفات متوازنة تعتمد على زيت شانلي أورفا، وتنفرد بتقديم نوع مميز يعرف باسم “عين الطائر” نظراً لشكله الهندسي البديع، كما توفر خيارات خفيفة وصحية مثل بقلاوة شرائح الجزر، إلى جانب تخصصها في إنتاج فطائر الجبن والمعجنات التي تكمل تجربة التذوق.
يمثل حافظ مصطفى 1864 حجر الزاوية في تاريخ الحلويات التركية منذ عهد الحاج إسماعيل، وتوسعت إمبراطوريته لتشمل أكثر من اثني عشر فرعاً تقدم البقلاوة بالشوكولاتة ولفائف “كيفريم”، ولا تقتصر شهرته على السكريات بل تمتد لتشمل المعجنات المالحة وحلويات الحليب، مما يجعله المحطة الأهم لختام أي جولة في إسطنبول.





