العمارة الحجرية في الباحة تكشف سر الجمال المتجذر في التاريخ
تحتضن منطقة الباحة في جنوب المملكة تراثًا معماريًا عريقًا، تجسّده البيوت الحجرية التي شُيّدت منذ قرون وشكّلت علامة فارقة في الهوية المعمارية للمجتمع الجبلي، حيث ما تزال هذه المباني تقف بشموخ، متحدّية عوامل الزمن، بما تحمله من تفاصيل فنية وحرفية عكست ذكاء الإنسان في التكيّف مع تضاريس ومناخ المنطقة عبر مزيج متوازن من الجمال والمتانة.
ارتكزت هندسة هذه البيوت على الصخور المحلية المتوفرة في البيئة، فتمّ استخدام الحجارة الصلبة في بناء الجدران التي جاءت سميكة لتوفير العزل الطبيعي للحرارة والبرودة، مع أسقف خشبية من أشجار السدر والعرعر الشهيرة في المنطقة، إضافة إلى نوافذ صغيرة تم تصميمها بدقة لضبط الضوء والتهوية الداخلية، ما جعل هذه البيوت صالحة للسكن طوال العام، ومثالية لتوفير الراحة في بيئة جبلية متقلبة.
لا تزال قرى مثل ذي عين والأطاولة والموسى ودار عوضة ونزل العايد تحافظ على نماذج بارزة من هذه البيوت، حيث تحولت إلى وجهات سياحية وثقافية تستقطب الزوار المحليين والدوليين على حد سواء، لما تحمله من أصالة تحاكي روح الماضي، وتُبرز جانبًا مهمًا من هوية المنطقة العمرانية والتراثية، وتُعد هذه القرى متاحف مفتوحة تروي حكايات الأجيال التي سكنتها وأسست أنماطًا معيشية متكاملة، كانت تعتمد على التكافل والبساطة والاستدامة.
أكد محمد سعد الزهراني، المشرف على إحدى القرى التراثية، أن هذه البيوت الحجرية لا تُمثّل مجرد مساكن منسية، بل تُعد ذاكرة متجذرة في وجدان أهالي المنطقة، إذ اختزن كل جدار وكل ممر فيها قصصًا عن الحِرَف، والزراعة، والروابط الاجتماعية التي كانت تشكّل عماد الحياة في العقود الماضية، مضيفًا أن المحافظة على هذه المعالم وترميمها بأساليب تحترم هويتها الأصلية، يُعد أحد أشكال الاستثمار في السياحة المستدامة، التي تعزز الانتماء وتربط الأجيال الجديدة بماضيها العريق.
تسعى الجهات المحلية بالتعاون مع المختصين والهيئات التراثية إلى توثيق هذه البيوت وإعادة تأهيلها بما يواكب متطلبات السياحة الثقافية، ويمنحها دورًا معاصرًا ضمن مشاريع التنمية العمرانية، كما يُلهم المعماريين لاستلهام عناصر التصميم التقليدي في ابتكار مبانٍ حديثة تنبض بروح الأصالة وتحترم البيئة المحلية، في نموذج يُجسّد التوازن بين الحداثة والجذور.





