تعرف على المعاني التاريخية الغامضة لعواصم الدول العربية من الخليج للمحيط
تتوارث الشعوب أسماء مدنها وعواصمها عبر قرون من الزمن، لتصبح رموزًا لهوياتها، وشواهد حية على جذورها الثقافية، واللغوية، والدينية، والتاريخية، ومع ذلك، فإن كثيرًا من الأسماء الشهيرة لعواصم العالم العربي تحمل دلالات وأصولاً قد تبدو غائبة عن الأذهان، أو غير معروفة للغالبية، وتتنوع هذه المعاني بين ما هو مرتبط بالطبيعة، وما هو مستمد من اللغة القديمة، وما هو متصل بالمعتقدات والأساطير المحلية، وما هو متوارث من الحضارات الغابرة.
تبدأ حكاية الرياض، عاصمة السعودية، من طبيعتها، فهي جمع لكلمة “روضة”، التي تشير إلى الأرض الخضراء المليئة بالمياه، وكانت المدينة تعرف بكثرة الروضات، لذلك حملت هذا الاسم منذ القدم، أما بيروت، عاصمة لبنان، فهي قد تشير إلى “بئر” أو “بيت الآبار”، ويُرجّح أن أصلها فينيقي من كلمة “بيروتا”، التي تعني “الصنوبر”، نسبة لغابات الصنوبر التي كانت تغطي التلال المحيطة بها.
وتحمل القاهرة، عاصمة مصر، دلالة انتصارية، فقد سميت “المنتصرة”، تيمنًا بكوكب المريخ الذي أطلق عليه العرب قديمًا “القاهر”، واختار الفاطميون هذا الاسم تزامنًا مع ظهوره عند تأسيس المدينة، بينما تعود تسمية دمشق إلى روايات متعددة، منها “دام سقيَاها” كناية عن وفرة الماء، أو من جذر “دَمَشَقَ” الذي يعني أسرع، وهناك أيضًا تفسير بأنها تعني “الحديقة المزهرة”.
وتستمر المعاني العريقة مع صنعاء في اليمن، والتي تُفسر بأنها “الحصينة”، أو يُنسب اسمها إلى “صنعاء بن أوزيل بن إرم”، وتُعد من أقدم المدن المأهولة في العالم، أما أبو ظبي، فتشير إلى “أبو الغزال”، في إشارة إلى قصة قديمة عن غزال قاد البدو إلى ماء وفير في عام 1761، بينما تعود عمان، عاصمة الأردن، إلى “ربة عمون”، نسبة لمملكة عمون القديمة، وترتبط كذلك باسم “الإله آمون” في التراث المصري.
وتعني الرباط، عاصمة المغرب، “الحصن”، وترتبط بالمرابطين الذين أقاموا فيها حصنًا عسكريًا، أما القدس، فعُرفت منذ الأزل باسم “بيت المقدس”، ومعناها “المقدسة”، نظرًا لمكانتها الدينية الكبيرة، وتدل تسمية تونس على “الأنس” والضيافة، وهناك روايات تقول إنها سميت لتونُّس الناس بها.
ويشير اسم نواكشوط إلى “مكان الرياح”، أو أنه من أصل أمازيغي ويعني “بئر من خشب”، أما مسقط، عاصمة سلطنة عمان، فيُقال إنها تعني “مكان السقوط”، أو أنها مرتبطة بكلمة “المسك” لرائحتها العطرة، فيما تعني مقديشو، عاصمة الصومال، “مقعد الشاه”، بسبب التأثير الفارسي على المدينة، ويُعتقد أيضًا أنها كلمة صومالية الأصل.
وتحمل المنامة، عاصمة البحرين، دلالة الراحة والاستراحة من عناء السفر، أما الجزائر فاسمها جاء من “الزواجر” أو “الجزر” بسبب الجزر القريبة من الساحل، ولقبت بـ”البهجة” و”المحروسة”، وتشير تسمية الدوحة إلى “الشجرة الكبيرة المتفرعة”، أو الخليج الدائري الذي تقع عليه المدينة، في حين يبقى أصل اسم جيبوتي غير مؤكد، لكن يُعتقد أنه يعني “هزيمة العدو” أو “الأرض المحترقة” بلغة العفار.
ويعود اسم الكويت إلى “كوت”، أي القلعة الصغيرة القريبة من الماء، بينما جاءت بغداد من الفارسية “بغ” (إله) و”داد” (أعطى)، لتُترجم إلى “هبة الله”، كما سُميت أيضًا “دار السلام”، أما موروني، عاصمة جزر القمر، فمعناها “مكان النار”، في إشارة إلى بركان كارتالا، وتحمل طرابلس الليبية اسمًا يونانيًا “تريبوليس”، ويعني “المدن الثلاث”، وقد لقبت بـ”عروس البحر”، أما الخرطوم فهناك من يرجعها إلى شكل التقاء النيلين الذي يشبه خرطوم الفيل، وهناك من يرى أنها مأخوذة من نبات “القرطم” الزهري.
وتجدر الإشارة إلى أن كثيرًا من هذه المعاني تخضع لاختلافات في الروايات اللغوية، والتاريخية، والدينية، وتعود أصول بعضها إلى لغات قديمة مثل الفينيقية، الأمازيغية، الفارسية، اليونانية، والعربية، ما يعكس ثراء الذاكرة الجمعية للشعوب العربية، وتنوع روافدها الحضارية، التي ما زالت تُخلد في أسماء المدن الكبرى.





