سوشيال ميديا

المقمع في النماص يتحول من سلاح تراثي إلى أيقونة احتفالية خالدة

تتواصل في محافظة النماص جهود إحياء الحرف التقليدية التي طالما شكّلت ملامح الهوية الثقافية للمنطقة، حيث تعود صناعة الأسلحة التراثية، وفي مقدمتها “المقمع” و”أبو فتيل”، إلى الواجهة، بعدما كانت رمزًا للحرب والدفاع، وأصبحت اليوم عنوانًا للفخر ومظهرًا من مظاهر الاحتفال والاعتزاز بالتراث الشعبي.

تنطلق صناعة “المقمع” من اختيار نوعية الخشب المناسب لتشكيل الهيكل، ثم تثبيت أنبوبة الحديد وتكوين الحجرة التي يوضع فيها البارود، ويُستخدم “الضراب” لدكّ البارود في داخله، وبعد إتمام عملية التركيب والاختبار، يبدأ الحرفيون مرحلة التزيين بدقة متناهية، إذ يُطعّم المقمع بالنحاس أو الفضة، ويُزيّن بزخارف متداخلة تضفي عليه طابعًا فنيًا يجعل منه قطعة تراثية نادرة تجمع بين الوظيفة والجمال.

يحافظ الحرفي فهد بن علي الشهري على هذه الحرفة، متابعًا مشوارًا بدأه والده منذ أكثر من أربعة عقود، عندما افتتح أول محل لصيانة “المقاميع” في المنطقة الجنوبية، ويعمل فهد حاليًا على تطوير هذه الصناعة من خلال تقديم نماذج جديدة أكثر خفة وسهولة في الاستخدام، تلائم أذواق الأجيال الشابة وتنسجم مع روح العصر دون أن تمسّ بجوهر التراث.

ويتميّز “المقمع” بجمالية بصرية فريدة، حيث كانت تُستخدم في الماضي خيوط “الوبر” لتزيينه، قبل أن تتطور الزخرفة باستخدام المعادن النفيسة والنقوش اليدوية، مما أدى إلى ارتفاع قيمته المادية، وقد يصل سعر بعض النماذج الفاخرة إلى أكثر من 50 ألف ريال، بحسب درجة التزيين والمعدن المستخدم في تطعيمه.

لا يكتمل حضور “المقمع” في المناسبات التقليدية إلا مع ارتداء “الزهاب”، وهو حزام جلدي يُعلّق بشكل مائل على الكتف، يحتوي على فصوص بارود وفتائل جاهزة للاشتعال، حيث يُستخدم السلاح لإطلاق طلقات احتفالية في الأعراس والفعاليات الوطنية، ما يضفي مشهدًا بصريًا مهيبًا يعكس ارتباط الماضي بالحاضر.

يعتمد تشغيل “المقمع” على تقنية دقيقة، تبدأ بتحميل البارود الأسود من فوهته الأمامية باستخدام قماش وقطعة حديدية طويلة، ثم يُضغط الزناد لإشعال الفتيل النباتي المستخرج من شجر “الأثب”، ما يؤدي إلى إطلاق صوت قوي يُعبّر عن البهجة والانتماء. وتكمن مهارة الصناع في ضبط النسب واختيار المواد بعناية لضمان السلامة والجودة.

وإلى جانب صناعة السلاح، تستمر في النماص حرفة إعداد البارود التقليدي، من خلال مكونات طبيعية مثل الملح والكبريت والفحم، حيث تُخلط وتُجفف بدقة لتكون جاهزة للاستخدام، سواء في إطلاق الأسلحة أو في أعمال الحفر قديماً، ما يعكس شمولية هذه المهنة وأهميتها في نواحي الحياة المختلفة.

ويوضح الباحث الدكتور صالح أبو عراد في كتابه “تنومة”، أن المقمع لم يكن مجرد أداة قتال، بل كان جزءًا أصيلًا من الحياة الاجتماعية والثقافية في منطقة عسير، ولا يزال حتى اليوم يُستخدم في الاحتفالات الرسمية والمناسبات الشعبية، ليبقى رمزًا لصوت الفخر وروح الأصالة في ذاكرة المكان وسكانه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى