خبير تخطيط: السوق العقاري المصري يواجه تصحيحًا حادًا وتراجعًا واسعًا في الثقة
أكدت سالي صلاح خبيرة التخطيط الاستراتيجي والتسويق الدولي أن السوق العقاري في مصر لم ينهَر بعد، لكن الثقة انهارت مبكرًا، موضحة أن التفكير الجماعي للعملاء خلق واقعًا جديدًا يقوم على الانتظار كاستراتيجية رئيسية، وأن السوق دخل في عام 2025 مرحلة تصحيح هيكلي بعد تضخم مصطنع ورهانات قصيرة الأجل وسيولة ساخنة غذّت فقاعة الأسعار.
التقارير الميدانية تشير إلى إلغاء حجوزات في مشروعات كبرى بنسبة تصل إلى 40٪، بجانب انسحاب جماعي من جانب العملاء والسماسرة، وتحول البيع في السوق الثانوي إلى مستويات أقل من أسعار المطورين الرسميين، وهو ما اعتبرته صلاح مؤشرًا واضحًا على انهيار هيكل التسعير وبدء انفجار الفقاعة العقارية.
العملاء يتبنون الآن سلوكًا يقوم على الترقب، حيث يرى الكثيرون أن تراجع التضخم، وتوقعات خفض الفائدة بنحو 4٪، إلى جانب هبوط الدولار على الورق دون انعكاس حقيقي على أسعار مواد البناء، كلها أسباب كافية لتوقع انخفاض الأسعار مستقبلًا، ما دفع بعضهم إلى إلغاء التعاقدات أو التخارج حتى لو بخسارة المقدمات، في حين يفضل آخرون الانتظار لحين ظهور قاع سعري أو موجة جديدة من التعويم.
مدينة مصر كشفت عن إلغاءات حجوزات بقيمة 1.3 مليار جنيه خلال أول ستة أشهر من 2025 مقابل 188 مليون جنيه فقط في الفترة نفسها من 2024، بنسبة زيادة تتجاوز 600٪، وهو ما يعكس حالة فقدان الثقة وتحوّل السوق من الشراء للربح إلى تجنب الخسارة. بينما أوضحت غرفة التطوير العقاري أن السماسرة يتحملون النصيب الأكبر من هذه الظاهرة، إلا أن التحليل يؤكد أن العملاء الحقيقيين أيضًا ينسحبون بسبب ضعف القدرة على السداد واستمرار حرق الأسعار من قبل المطورين.
الظاهرة الجديدة مرتبطة بتوسع غير مسبوق في أنظمة السمسرة خلال العامين الماضيين، حيث كان السمسار يعتمد على إعادة البيع السريع مستفيدًا من التضخم أو التعويم، لكن الانكماش الحالي بدّد هذه الاستراتيجية، وأجبر كثيرين على التخارج بخسائر. وأكد نور عثمان الشريك المؤسس لشركة KPIs أن المشكلة لا تقتصر على السماسرة بل تشمل العملاء العاديين الذين فقدوا القدرة على الالتزام بالأقساط في ظل ركود السوق.
من جانبه أوضح محمد نور رئيس قسم المبيعات بشركة بيتا للتطوير العقاري أن نسبة الإلغاءات بلغت 40٪ ومتوقع أن تصل إلى 45٪، مشيرًا إلى أن سياسة حرق الأسعار أصبحت شائعة بين الشركات التي تقدم عروضًا وخصومات كبيرة، إلا أن هذا الأمر انعكس سلبيًا ودفع العملاء إلى إلغاء عقودهم القديمة في انتظار عروض أرخص، ما أدى إلى خسائر مضاعفة للشركات.
الخبراء يجمعون على أن السوق مقبل على ركود طويل الأمد، لكنه لن ينهار بالكامل بسبب الأرباح الكبيرة التي حققها المطورون في السنوات السابقة، ما وفر لهم وسادة مالية تحميهم من الانهيار، بجانب سياسات الدولة والبنوك التي تسعى إلى ضبط السوق عبر قيود التمويل واستعادة الأراضي غير المستغلة. ويتوقع محللون أن موجة تعويم جديدة أو صعود التضخم قد تعيد العقار مرة أخرى إلى موقعه كملاذ آمن للمستثمرين.
السوق في 2025 يبدو عامًا للتصفية والانتظار، حيث ينصح الخبراء المشترين الحقيقيين بعدم التسرع، والمستثمرين قصيري الأجل بالخروج مبكرًا لتجنب الخسائر، في حين يُنصح المطورون بالتركيز على السيولة والإدارة المالية بدلًا من مبيعات مضللة، أما السماسرة فعليهم إعادة توجيه أنشطتهم نحو خدمات الإدارة والتأجير بدل الاعتماد على إعادة البيع السريع.





