هل يمكن أن ندرك حجم السر وراء مكتبة تضم 43 مليون صفحة رقمية؟
يشكل حضور مكتبة المسجد النبوي في قلب المدينة المنورة علامة فارقة في مسيرة المعرفة الإسلامية والإنسانية، إذ تفتح أبوابها على مدار اليوم لتستقبل روادها من مختلف أنحاء العالم، وتمنحهم تجربة علمية وروحانية فريدة تتجاوز حدود المكان والزمان، حيث تمتزج فيها أصالة التراث بنبض التقنية الحديثة، لتكون مرجعًا حيًا يعكس رسالة الحرمين الشريفين في رعاية العلم وتيسير سبل المعرفة.
وتحتضن المكتبة ما يزيد على 175 ألف كتاب مصنفة في 71 مجالًا علميًا متنوعًا، لتضع بين يدي الباحثين والطلاب مادة معرفية واسعة، كما تمتلك أكثر من 105 آلاف كتاب رقمي، فضلًا عن قرابة 43 مليون صفحة رقمية، ما يجعلها واحدة من أكبر المستودعات العلمية في العالم الإسلامي، ومركزًا غنيًا بالمصادر التي تخدم الباحثين والمهتمين بمختلف التخصصات، وتفتح آفاقًا جديدة أمام الدراسات المعاصرة.
وتتميز المكتبة بثراء لغوي لافت، إذ تضم مؤلفات ومواد معرفية مترجمة إلى 23 لغة عالمية، وهو ما يجعلها جسرًا للتواصل بين الثقافات المختلفة، ويسمح لغير الناطقين بالعربية بالاستفادة من محتواها، كما يعزز من حضورها العالمي كمنصة مفتوحة أمام الجميع، لتصبح مقصدًا علميًا يتجاوز الحدود، ويخدم الإنسان أيًا كان انتماؤه أو لغته، بما يرسخ قيم الانفتاح والاعتدال في نشر المعرفة.
وتعتمد المكتبة على تقنيات رقمية متطورة تسهل على الزوار الوصول إلى مصادرها، حيث وفرت 70 جهاز حاسب آلي مخصصًا للبحث الرقمي، مما يتيح سرعة التصفح والوصول المباشر إلى المراجع، ويجعل تجربة البحث أكثر مرونة وسلاسة، كما أن النظام الإلكتروني المدمج فيها يسهم في تسهيل العمل الأكاديمي، ويمكّن الباحثين من الوصول الفوري إلى ما يحتاجونه من مراجع ومصادر دون عناء.
ويستطيع الزائر الدخول إلى المكتبة عبر الجهة الغربية للمسجد النبوي من باب (10) وصعود السلم الكهربائي، ليجد نفسه في فضاء معرفي يبعث الطمأنينة ويجمع بين القداسة والعمق العلمي، في أجواء تضيف إلى رحلته الإيمانية بُعدًا ثقافيًا ومعرفيًا، وتمنحه فرصة نادرة للتأمل في قيمة العلم ودوره في حياة الإنسان، وهو ما يجعل المكتبة امتدادًا روحانيًا لمسيرة المسجد النبوي.
ويأتي هذا الصرح العلمي متماشيًا مع رؤية المملكة 2030، التي تسعى إلى جعل الثقافة والمعرفة ركيزة أساسية في بناء الإنسان، وإبراز دور الحرمين الشريفين كمركز إشعاع حضاري للعالم، إذ تعمل المكتبة على خدمة ضيوف الرحمن وتوفير بيئة معرفية تتسق مع تطلعات المستقبل، لتبقى شاهدًا حيًا على مكانة المدينة المنورة كحاضنة للعلم والروحانية.





