هل يكشف السفر بالطائرة أسرارًا خفية أم يبدد أوهامًا متوارثة عبر الزمن؟
تتصاعد حكايات السفر مع كل رحلة جوية، فيحمل الركاب معهم الكثير من المعتقدات التي ورثوها أو استقوها من روايات غير دقيقة، بعضها يثير القلق وبعضها يبعث على الطمأنينة دون أساس علمي. ورغم التطور الكبير في صناعة الطيران وارتفاع مستويات الأمان، ما زال كثيرون يصدقون خرافات قديمة تحولت مع مرور الوقت إلى مسلّمات في أذهانهم، وهو ما يستدعي تسليط الضوء على أبرزها وتصحيح ما علق في الأذهان.
يعتقد البعض أن موزعات الهواء داخل الطائرة تنشر الجراثيم بين المسافرين، إلا أن الواقع مختلف تمامًا، فأنظمة التكييف المزودة بفلاتر عالية الكفاءة تشبه تلك الموجودة في المستشفيات، تعمل على تنقية الهواء من الفيروسات والبكتيريا وجزيئات الغبار وحتى الروائح، لتضمن بيئة أكثر أمانًا للركاب رغم الظروف الجوية القاسية خارج الطائرة. هذه التقنية تؤكد أن الهواء في المقصورة أنقى مما يتصوره المسافرون.
يتناقل آخرون فكرة أن الطيارين يتجنبون الطيران فوق مثلث برمودا، مستندين إلى أسطورة قديمة عن اختفاء سفن وطائرات في ظروف غامضة. غير أن الواقع يشير إلى أن هذه المنطقة، الواقعة في شمال البحر الكاريبي، لم تعد تمثل خطرًا، وأن الطائرات تعبرها بشكل طبيعي ضمن مساراتها الجوية المعتادة، ما يضعف من شأن الأساطير التي ارتبطت بها عقودًا طويلة.
تتردد أيضًا مقولة أن الرحلات المتجهة شرقًا تكون أسرع دائمًا من تلك التي تسير غربًا، وهو اعتقاد يفتقر إلى الدقة العلمية، إذ يرجع سبب السرعة الإضافية أحيانًا إلى التيارات النفاثة، وهي رياح قوية على ارتفاعات شاهقة قد تصل سرعتها إلى 500 كيلومتر في الساعة، فتدفع الطائرات باتجاه الشرق وتجعل زمن الرحلة أقصر من العادة.
يجد بعض الركاب متعة غير متوقعة في تذوق عصير الطماطم أثناء الطيران، ويظنون أن شركات الطيران تقدم نوعًا مختلفًا أو مميزًا، بينما الحقيقة تعود إلى تأثير انخفاض الضغط داخل المقصورة على حاسة التذوق، ما يجعل العصير أكثر نكهة مقارنة بما هو عليه على الأرض. هذا الاكتشاف العلمي جاء بعد أبحاث أجريت في معهد فراونهوفر الألماني، ليكشف سر شعبية عصير الطماطم كخيار ثانٍ بعد الماء على متن الطائرات.
يربط البعض بين فقدان الجسم للسوائل خلال الرحلة وبين التعرق أو الإجهاد البدني، لكن الحقيقة أن الجسم يفقد ما يقارب 1.5 لتر من الماء في رحلة مدتها ثلاث ساعات، وذلك نتيجة التبخر عبر الجلد والتنفس الجاف، تمامًا كما يحدث أثناء الركض، ما يفسر حاجة المسافرين لشرب كميات أكبر من المياه لتعويض هذا النقص والحفاظ على ترطيب أجسامهم.
كما يتداول البعض اعتقادًا غريبًا بأن مراحيض الطائرات تفرغ محتوياتها في الهواء، إلا أن الأمر يخضع لأنظمة صارمة، حيث تُجمع الفضلات في خزانات مخصصة على متن الطائرة ولا يتم تفريغها إلا بعد الهبوط على الأرض، بما يتوافق مع معايير الصحة والبيئة. هذا يبرهن على أن الطيران المدني يخضع لرقابة دقيقة تحافظ على نظافة الأجواء وسلامة الركاب في آن واحد.
يبرهن استعراض هذه المعتقدات على أن السفر بالطائرة ليس فقط تجربة مليئة بالمغامرة، بل أيضًا مساحة خصبة لتناقل القصص التي قد تبعد عن الحقيقة كثيرًا. غير أن المعرفة الدقيقة بالحقائق العلمية والاعتماد على مصادر موثوقة يساعدان على إزالة الغموض الذي يحيط برحلات الطيران، ويجعلانها أكثر أمانًا ومتعة، بعيدًا عن الشائعات التي لطالما نسجت حولها عبر التاريخ.





