إحياء البحر يعيد الأمل لمشهد سياحي تونسي يبحث عن امتداد أفقه
يشهد قطاع الرحلات البحرية في تونس تحولاً لافتاً خلال السنوات الأخيرة، إذ بدأت الموانئ التونسية تستعيد مكانتها على خارطة السياحة العالمية بعد فترة من الركود، لتصبح مجدداً مقصداً لشركات كبرى في عالم السفن السياحية. وتؤكد الأرقام المعلنة أن هذا المسار التصاعدي لا يقتصر على الأحاديث التفاؤلية، بل يعكس واقعاً ملموساً يظهر في حجم الإقبال وتزايد الرحلات المنظمة، ما يجعل البحر بوابة جديدة للانتعاش الاقتصادي والسياحي في البلاد.
أعلن مدير محطة الرحلات والسفن السياحية بميناء حلق الوادي، سامي دبيش، أن تونس تستعد هذا العام لاستقبال ما يفوق 400 ألف سائح عبر الرحلات البحرية وحدها، وهو رقم يتجاوز التوقعات الأولية ويعكس سرعة التعافي. وأوضح أن الهدف المرسوم هو بلوغ نصف مليون سائح بحلول 2026، معززاً ببرمجة 40 رحلة بحرية من قبل شركة كوستا كروازيير وحدها خلال عامي 2025 و2026، ما يعكس ثقة الشركات العالمية في الوجهة التونسية.
وتشهد العاصمة التونسية توافد سفن سياحية عملاقة تقل آلاف الركاب من جنسيات مختلفة، أبرزها السفينة التي رست مؤخراً في حلق الوادي وعلى متنها أكثر من ثلاثة آلاف سائح. هذه الحركة المتزايدة لم تكن وليدة صدفة، بل نتيجة جهود مكثفة لتأهيل الموانئ وتعزيز الخدمات اللوجستية، ما جعل تونس قادرة على المنافسة إقليمياً في هذا القطاع الحساس.
ساهمت هذه العودة في إحياء محيط العاصمة، حيث يتوجه السياح مباشرة بعد نزولهم إلى مواقع تاريخية وسياحية بارزة مثل قرية سيدي بوسعيد ذات الطابع الفريد، والموقع الأثري لقرطاج الذي يمثل رمزاً حضارياً عريقاً، إضافة إلى جولة داخل أسواق المدينة العتيقة وزيارة متحف باردو بما يحمله من مقتنيات نادرة. هذه الوجهات لم تعد مجرد محطات للزيارة، بل صارت نقاط جذب تعزز صورة تونس كملتقى حضارات ومركز حيوي للسياحة الثقافية والبحرية.
ويذكر أن تونس حققت في عام 2024 رقماً قياسياً غير مسبوق باستقبالها 10.3 ملايين سائح، وتسعى هذا العام إلى رفع الرقم إلى 11 مليوناً، ما يبرز الطموح الرسمي في تعزيز هذا القطاع ليكون رافعة أساسية للاقتصاد الوطني. وتندرج الرحلات البحرية في صميم هذا الطموح، إذ تسهم في تنشيط الأسواق والمطاعم والحرف اليدوية، وتخلق دينامية اقتصادية يستفيد منها السكان المحليون في محيط العاصمة.
إن عودة السفن السياحية إلى الموانئ التونسية ليست مجرد مؤشرات رقمية عابرة، بل هي عنوان لمرحلة جديدة تستعيد فيها البلاد ثقتها بنفسها، وتعيد رسم مكانتها على خريطة السياحة المتوسطية. ومع استمرار هذا النمو، يبدو أن البحر سيظل بوابة تونس نحو المستقبل، وجسراً يعيد لها بريقها السياحي الذي طالما شكل جزءاً من هويتها الوطنية.





