برايس كانيون يكشف ذاكرة الأرض بين الألوان والارتفاع
يستقطب منتزه برايس كانيون الوطني في ولاية يوتا الأمريكية الزوار من جميع أنحاء العالم، ويُعرف بتكويناته الجيولوجية الفريدة التي جعلت منه واحدًا من أكثر المواقع الطبيعية تميزًا في الولايات المتحدة، ويقع المنتزه في الجنوب الغربي من الولاية، على ارتفاع يتراوح بين 2400 و2700 متر فوق سطح البحر.
ويتميز وادي برايس – رغم تسميته – بأنه ليس واديًا تقليديًا، بل سلسلة من المدرجات الصخرية العملاقة الممتدة على الجانب الشرقي من هضبة بونساوجونت، ما يمنحه طابعًا جيولوجيًا فريدًا لا يشبه أي موقع آخر.
يُشاهد الزوار في المنتزه تكوينات صخرية تُعرف باسم “الهودوز”، وهي أعمدة صخرية شاهقة تتخذ أشكالًا غريبة ونحتتها الطبيعة بفعل عوامل التجوية وتآكل الصخور الرسوبية على مدى ملايين السنين، وتشكلت هذه الأعمدة نتيجة تجمد المياه في الشقوق خلال فصل الشتاء ثم ذوبانها في الصيف، مما أدى إلى تفكك الصخور تدريجيًا، وتُعد هذه العملية الطبيعية من أبرز الأمثلة على التآكل الجليدي في العالم، وتمنح المنتزه منظراً مدهشًا يجمع بين القوة والجمال في آن واحد.
يشتهر برايس كانيون بألوانه اللافتة التي تتدرج بين الأحمر والبرتقالي والأبيض، حيث تعكس الصخور الغنية بالمعادن طبقات جيولوجية مختلفة تكونت بفعل الترسيب عبر عصور طويلة، ويقول العلماء إن هذه الألوان ليست مجرد مظهر جمالي، بل سجل طبيعي لتاريخ الأرض، ويتيح المنتزه للزائرين فرصة مشاهدة هذا التنوع اللوني يتغير مع ضوء الشمس، فيتحول المشهد صباحًا إلى لوحة ناعمة من الألوان الهادئة، ويأخذ عند الغروب طابعًا دراميًا مليئًا بالتباين والتوهج.
يُقارن الزوار كثيرًا بين منتزه برايس كانيون ومنتزه زيون الوطني المجاور، إلا أن الأول يتميز بارتفاعه الكبير ومساحته الأصغر التي تجعله أكثر هدوءًا وانعزالًا، ويمنح هذا الموقع المرتفع إطلالات بانورامية مذهلة تمتد لمسافات بعيدة، ويُعد من أفضل الأماكن في الولايات المتحدة لمراقبة النجوم بسبب صفاء السماء ونقاء الهواء في المنطقة، حيث يمكن رؤية آلاف النجوم بالعين المجردة، ما يجعله وجهة مفضلة لعشاق الفلك والمصورين الليليين.
أصبح منتزه برايس كانيون رمزًا للطبيعة الجيولوجية النادرة في يوتا، ويستقبل ملايين الزوار سنويًا للاستمتاع بالتنزه بين الممرات الصخرية والمغامرات الجبلية والتصوير في بيئة تحاكي الخيال، وتحرص السلطات الأمريكية على حماية المنتزه ضمن إطار الحفاظ على التراث الطبيعي الوطني، لضمان استمرار جماله الفريد للأجيال القادمة، ويؤكد الخبراء أن هذا المكان يختصر قصة الأرض في طبقاتها وألوانها، ويجسد التفاعل البطيء بين الزمن والطبيعة في أبهى صوره.





