عروق بني معارض.. صحراء تحفظ سر الحياة في الربع الخالي
احتلت محمية عروق بني معارض موقعاً متقدماً في ذاكرة الطبيعة السعودية بعدما أصبحت أول موقع تراث طبيعي سعودي يُدرج ضمن قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو، إذ تمثل نموذجاً فريداً للتوازن البيئي في منطقة تمتد على مساحة شاسعة من الربع الخالي، وتحتضن ثروة حيوية نادرة من الكائنات النباتية والحيوانية التي تواجه خطر الانقراض.
وتقع المحمية على طول الحافة الغربية للربع الخالي في مشهد طبيعي متصل لا يعرف الانقطاع، إذ تضم أكثر من تسعمئة نوع من الكائنات الفطرية النباتية والحيوانية، بينها مئة وعشرون نوعاً من النباتات البرية الأصيلة التي تكيفت مع طبيعة الصحراء القاسية، إلى جانب مجموعات من الحيوانات الفطرية التي لم يعد وجودها شائعاً في العالم مثل القطيع الحر الوحيد من المها العربي الذي يجوب الكثبان الرملية بحرية، إضافة إلى الظباء الرملية والجبلية التي تمثل رموزاً حية للتراث الطبيعي في شبه الجزيرة العربية.
وتميزت عروق بني معارض بكونها تشكل أكبر بحر رملي متواصل على سطح الأرض، إذ تمتد على مساحة تتجاوز اثني عشر ألفاً وسبعمئة كيلومتر مربع، وتُعد الصحراء الرملية المتصلة الوحيدة في آسيا الاستوائية، ما يمنحها خصوصية جيولوجية نادرة تجمع بين الامتداد المكاني والتنوع البيئي، كما تعكس مشاهدها الطبيعية منظراً بانورامياً استثنائياً يمثل نموذجاً فريداً للطبيعة الصحراوية في العالم.
ويبرز في تضاريسها تعقيد الكثبان الرملية الخطية التي تُعد من أكبر النظم الرملية المتشابكة في العالم، حيث تنحت الرياح ممرات وأشكالاً متغيرة باستمرار، وتوفر تلك الكثبان مأوى للعديد من الكائنات الحية التي استطاعت البقاء في ظروف مناخية قاسية تتجاوز فيها درجات الحرارة أعلى المعدلات المسجلة في المنطقة، وهو ما يجعلها مختبراً بيئياً مفتوحاً لدراسة سلوك الكائنات في مواجهة التغير المناخي.
وتحمل المحمية قيمة بيئية عالية لأنها تحتوي على خمس مجموعات فرعية من النظم البيئية الوطنية في المملكة، وتشكل موائل طبيعية واسعة النطاق تسهم في بقاء الأنواع الرئيسة واستمرار التنوع البيولوجي في المنطقة، كما أنها تُعد نقطة التقاء بين الحياة البرية والتاريخ الطبيعي، إذ تتقاطع فيها رواسب الرمال القديمة مع مسارات الحيوانات المهاجرة التي عبرت المنطقة منذ قرون طويلة.
ويؤكد إدراج المحمية في قائمة اليونسكو العالمية التزام المملكة بحماية تراثها الطبيعي وصون مواردها البيئية، من خلال تطوير استراتيجيات متكاملة للحفاظ على الحياة الفطرية وإعادة توطين الأنواع المهددة بالانقراض، ويمثل هذا الاعتراف الدولي خطوة في مسار رؤية السعودية 2030 التي تولي البيئة محوراً أساسياً لتحقيق التنمية المستدامة ورفع جودة الحياة.





