لابلاند .. حين يضيء الليل بألوان الغموض وتتحول الأرض إلى مملكة بيضاء خفية
تسحر لابلاند الزائر منذ اللحظة الأولى بجمالها الصامت الممتد عبر أقصى شمال أوروبا، إذ تمتد هذه المنطقة الباردة بين فنلندا والسويد والنرويج وروسيا، وتشكل لوحة طبيعية لا تشبه أي مكان آخر، حيث يختلط فيها الضوء بالثلج، والصمت بالألوان التي ترقص في السماء، لتقدم تجربة حسية فريدة لمن يبحث عن سكون الطبيعة وبدايات الأساطير، وتُعد مدينة روفانييمي في شمال فنلندا القلب النابض للمنطقة، فهي مقر إقامة سانتا كلوز الرسمي ومركز جذب رئيسي لعشاق الشمال القطبي.
يشهد زوار لابلاند واحدة من أعجب الظواهر الطبيعية في العالم، وهي الشفق القطبي الذي يظهر بين سبتمبر وأبريل بألوان خضراء وزرقاء وبنفسجية تضفي على السماء مشهدًا لا يتكرر، وفي المقابل تأتي ظاهرة شمس منتصف الليل التي تضيء السماء على مدار اليوم في فصل الصيف، حيث لا تغيب الشمس لأسابيع كاملة، أما في الشتاء فتغرق المنطقة في ظلام كامل يسمى “الليل القطبي” حين يغيب النهار لأيام طويلة، فيعيش السكان والزائرون تجربة زمنية مختلفة تجعل إدراك الوقت نفسه يتبدل داخل هذه المساحة البيضاء.
تجذب لابلاند السياح بتنوع أنشطتها، إذ يمكن للزائر ركوب زلاجات الكلاب من نوع الهاسكي أو التنقل عبر عربات الرنة وسط الغابات الجليدية، كما تقدم المنطقة تجربة مبيت لا تشبه غيرها في العالم داخل فنادق الثلج التي تُبنى كل عام من الجليد والماء، أو الأكواخ الزجاجية التي تسمح برؤية السماء المضيئة بالشفق من الفراش مباشرة، ويختار البعض المغامرة في صيد الأسماك تحت الجليد أو التجول في الغابات المكسوة بالثلوج لاكتشاف الهدوء القطبي الذي لا يكسره سوى صوت الرياح الباردة.
يعيش في لابلاند شعب السامي، وهم السكان الأصليون الذين حافظوا على ثقافتهم ولغتهم لقرون طويلة، وتعد تربية الرنة ركناً رئيسياً في حياتهم اليومية، إذ يعتمدون عليها في الغذاء والتنقل والرموز الثقافية، ويقيمون احتفالاتهم بلباس تقليدي ملوّن يعكس ارتباطهم الوثيق بالطبيعة القاسية التي شكلت هويتهم، وقد ساهم وجودهم في الحفاظ على التنوع الثقافي داخل هذه المنطقة التي تجمع بين الحداثة والعمق التاريخي.
يتميز مناخ لابلاند ببرودة قاسية في الشتاء، إذ تنخفض درجات الحرارة إلى ما دون الثلاثين تحت الصفر، بينما يتحول الصيف إلى فترة قصيرة معتدلة تسمح بممارسة أنشطة الهواء الطلق واستكشاف البحيرات والغابات، ويأتي السياح من مختلف أنحاء العالم ليعيشوا هذه التناقضات في مكان واحد، فبين الضوء والظلمة وبين الثلج والنار المخفية في السماء، تظل لابلاند وجهة من يبحث عن التجربة التي تتجاوز السياحة العادية نحو اكتشاف معنى الصفاء وسط الصمت القطبي.





