بالأرقام

اليابان تستقبل 37 مليون سائح في عام واحد.. ظاهرة “فرط السياحة” تهدد مدنها الصغيرة وتستهلك اقتصادها

شهدت اليابان خلال عام 2024 انفجارًا سياحيًا غير مسبوق، إذ استقبلت البلاد ما يقارب 37 مليون زائر من مختلف أنحاء العالم، وهو رقم قياسي في تاريخها الحديث، جعلها في صدارة الوجهات الآسيوية الأكثر جذبًا للسياح، لكنه في الوقت ذاته أثار قلق السكان المحليين الذين بدأوا يشعرون بثقل هذه الأعداد الهائلة على حياتهم اليومية ومجتمعاتهم الصغيرة، لتعود إلى الواجهة قضية ما يُعرف بـ«فرط السياحة» التي أصبحت ظاهرة عالمية مقلقة.

استمر تدفق الزوار بوتيرة متسارعة، فلم يكد العام الجديد يبدأ حتى تجاوز عدد الوافدين في النصف الأول من 2025 وحده 20 مليون سائح، وهو ما يشير إلى أن الزخم لم يتراجع رغم تحذيرات الخبراء والسلطات المحلية، بل على العكس، يبدو أن جاذبية اليابان الثقافية والطبيعية والتكنولوجية تتضاعف عامًا بعد عام، مدفوعة بتراجع قيمة الين الياباني الذي جعل السفر إلى البلاد أكثر جذبًا من الناحية الاقتصادية، إضافة إلى التسهيلات المتزايدة في إجراءات التأشيرات التي اعتمدتها الحكومة لدعم قطاع السياحة بعد جائحة كورونا.

لم تقتصر ظاهرة الازدحام على المدن الكبرى مثل طوكيو وأوساكا وكيوتو، بل امتدت إلى مدن ساحلية صغيرة مثل كاماكورا، التي لا يتجاوز عدد سكانها 170 ألف نسمة، لكنها تستقبل يوميًا أكثر من 44 ألف زائر، ما جعل شوارعها ومرافقها العامة تعاني من ضغط متواصل، في وقت يحذر فيه السكان من فقدان مدينتهم هويتها الهادئة وطابعها التاريخي الذي كان أحد أسباب شهرتها.

أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسات يابانية متخصصة أن نحو نصف سكان المناطق السياحية باتوا يشعرون بتأثير مباشر لما يُعرف بـ«فرط السياحة»، سواء من حيث الازدحام الخانق في وسائل النقل العامة أو ارتفاع أسعار السلع والخدمات أو تزايد النفايات والتلوث البصري والسمعي، كما عبّر كثيرون عن خشيتهم من أن يتحول تراثهم الثقافي إلى مجرد سلعة تجارية تفقد معناها الأصلي بسبب الضغط السياحي المتواصل.

ورغم هذه الانتقادات، لا يمكن إنكار الدور الحيوي الذي تلعبه السياحة في دعم الاقتصاد الياباني، إذ تمثل أكثر من 7% من الناتج المحلي الإجمالي وتوفر ما يقارب 9% من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، كما تسهم عائدات السياحة التي تجاوزت 53 مليار دولار أمريكي العام الماضي في تنشيط قطاعات الضيافة والتجزئة والنقل، ما يجعل السلطات في موقف دقيق بين ضرورة حماية الحياة اليومية للسكان، والحفاظ على التدفق السياحي الذي يعد أحد أهم محركات النمو الاقتصادي في البلاد.

تسعى الحكومة اليابانية في المقابل إلى تطبيق مجموعة من الإجراءات لتخفيف آثار فرط السياحة، مثل تشجيع السياح على زيارة مناطق أقل ازدحامًا في الأرياف والجزر الشمالية، وفرض رسوم دخول في بعض المواقع الأثرية، وتنظيم أوقات الزيارات، وهي خطوات يُنتظر أن تساهم في إعادة التوازن بين متطلبات التنمية الاقتصادية وضرورات حماية البيئة الاجتماعية والثقافية لليابان، التي لطالما اشتهرت بقدرتها على الموازنة بين الحداثة والتقاليد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى