نصف قرن من السياحة العالمية يكشف تحولات كبرى وفرص نمو مستدامة
احتفلت منظمة السياحة العالمية بمرور خمسين عاماً على تأسيسها وهي تراجع مسار السياحة الدولية منذ عام 1975 حتى اليوم، إذ شهد القطاع تحولات كبيرة في حجم الحركة وعدد الزوار والعوائد الاقتصادية، وأصبح عنصراً محورياً في التنمية وفرص العمل والتقارب بين الثقافات، بينما تتهيأ المنظمة لمرحلة جديدة عنوانها الاستدامة والمسؤولية تجاه الإنسان والبيئة.
بدأت المنظمة عام 1975 بعالم محدود الحركة السياحية، لم يتجاوز فيه عدد المسافرين الدوليين 222 مليون شخص، لكن خلال نصف قرن تضاعف الرقم سبع مرات حتى بلغ 1.5 مليار سائح في عام 2025، وهو ما يعكس التطور الهائل في وسائل النقل والتقنية والخدمات، ويفسر كيف تحولت السياحة من نشاط ترفيهي محدود إلى صناعة عالمية تؤثر في الاقتصادات والمجتمعات على حد سواء.
وارتفعت العائدات العالمية للسياحة خلال الفترة نفسها من خمسين مليار دولار إلى 2.2 تريليون دولار بالقيمة الحقيقية، ما جعلها إحدى أكبر مصادر الدخل في العالم، تسبق أحياناً الصادرات التقليدية في بعض الدول، وتخلق ملايين الوظائف في مجالات النقل والفنادق والمطاعم والخدمات اللوجستية، كما أسهمت في تحسين معيشة المجتمعات المحلية التي تعتمد على الزوار كمصدر رئيسي للدخل.
وتتطلع المنظمة إلى العقد القادم بتفاؤل، إذ تشير تقديراتها إلى أن عدد السائحين الدوليين قد يصل إلى ملياري شخص بحلول عام 2030، مدفوعاً بتحسن شبكات النقل الجوي والبري، وتطور البنية التحتية السياحية في الوجهات الجديدة، وتوسع مفهوم السفر ليشمل سياحة المغامرات والتجارب الثقافية وسياحة الطبيعة، وهو ما يعكس تنوع الخيارات أمام المسافرين من مختلف الفئات.
وتدرك المنظمة أن النمو السريع يحمل تحديات موازية تتعلق بالحفاظ على الموارد الطبيعية وحماية المجتمعات من الضغط البيئي، لذلك شددت على ضرورة جعل المستقبل السياحي أكثر استدامة، قائم على مبدأ المسؤولية المشتركة بين الحكومات والقطاع الخاص والمسافرين أنفسهم، مع التركيز على تقليل البصمة الكربونية وتعزيز السياحة البيئية والاعتماد على الطاقة النظيفة في المنشآت.
وأكدت المنظمة أن المسار القادم يجب أن يركز على الإنسان بقدر ما يركز على الأرقام، لأن جوهر السياحة لا يقتصر على الانتقال بين الأماكن، بل يتجاوز ذلك إلى بناء جسور التواصل والتفاهم بين الشعوب، ودعم المجتمعات الصغيرة التي تعتمد على الزوار في بقائها الاقتصادي، لذلك دعت إلى وضع سياسات دولية تضمن توزيعاً عادلاً للعوائد واستثماراً واعياً في رأس المال البشري.
وترى منظمة السياحة العالمية أن التجربة الممتدة لخمسين عاماً أثبتت قدرة القطاع على التكيف مع الأزمات والتحولات، من الركود العالمي إلى جائحة كورونا، وأن التحدي الأكبر اليوم هو تحقيق توازن بين النمو والحفاظ على الكوكب، وهو ما تسعى إليه عبر مبادراتها في الطاقة الخضراء والسياحة المجتمعية، لتبقى الرحلة الإنسانية مستمرة نحو سياحة تخدم الناس والبيئة معاً.





