ما السر الذي يخفيه جبل القدر بين الحمم والآثار القديمة؟
دخل “جبل القدر”، الواقع ضمن منطقة حرة خيبر شمالي المدينة المنورة، قائمة أعظم مئة موقع جيولوجي على مستوى العالم، وهي القائمة المرموقة التي أصدرها الاتحاد الدولي للعلوم الجيولوجية بالتعاون مع منظمة اليونسكو العالمية.
جاء هذا الاختيار اعترافًا بقيمة الجبل العلمية والجمالية والثقافية الكبيرة، بوصفه أحد الشواهد الجيولوجية الحديثة والأكثر وضوحًا للنشاط البركاني في شبه الجزيرة العربية بأكملها.
يُعد “جبل القدر”، وفقاً لبيانات هيئة المساحة الجيولوجية السعودية، موقعاً جيولوجياً نادراً وفريداً من نوعه، يتميز بنشاطه البركاني الحديث وبنيته الجيومورفولوجية المذهلة، إذ يرتفع مخروطه البركاني المهيب إلى نحو 400 متر تقريباً فوق السهول المحيطة به.
يعد الجبل من أحدث البراكين التي سجلت نشاطاً تاريخياً في المملكة، حيث وقع آخر ثوران بركاني له قبل نحو ألف عام مضت، مما يجعله مجالاً حيوياً للدراسة الجيولوجية.
أظهرت البيانات الصادرة عن الهيئة الجيولوجية أن الثورانات المتتابعة للجبل خلفت تدفقات هائلة وواسعة من الحمم البازلتية الداكنة، بالإضافة إلى مواد فتاتية بركانية مختلفة، انتشرت عبر شبكة معقدة من الأنابيب البركانية الطبيعية، شكلت هذه الظاهرة مشهداً جيومورفولوجياً فريداً للغاية لا مثيل له على مستوى المنطقة الإقليمية، مما يمنح الموقع أهمية بصرية وعلمية قصوى.
يتمثل أحد أبرز الجوانب العلمية المثيرة للدهشة في أن تلك التدفقات البركانية الضخمة قامت بتغطية منشآت حجرية قديمة وضخمة، تُعرف محلياً باسم “الطائرات الورقية الصحراوية” الغامضة، يُرجح علماء الآثار أن هذه المنشآت الحجرية تعود إلى العصر البرونزي، أي قبل نحو خمسة آلاف عام، مما يكشف عن تداخل تاريخي وجيولوجي نادر بين النشاط الطبيعي والآثار البشرية القديمة.
يضفي هذا التداخل النادر بين الجيولوجيا النشطة والآثار البشرية العريقة على “جبل القدر” قيمة علمية وتراثية مزدوجة ومتميزة، مما يجعله كنزاً حقيقياً للباحثين والمؤرخين، جعل هذا التفرد الجيولوجي والبصري الساحر جبل القدر وجهة مهمة وحيوية للباحثين في مجالات الجيولوجيا والآثار، وموقعاً واعداً لتعزيز السياحة الجيولوجية التخصصية في المملكة.
يأتي إدراج الجبل ضمن قائمة الـ 100 موقع عالمي ليعزز مكانة المملكة على خريطة المواقع الطبيعية ذات القيمة العالمية، ويدعم جهودها في تطوير مناطق الجذب الطبيعية، يسهم هذا التصنيف الدولي في لفت الأنظار إلى أهمية حرة خيبر كمنطقة غنية بالتنوع الجيولوجي، تشكل سجلاً حياً للتاريخ البركاني الحديث في المنطقة.
يعتبر هذا الإنجاز اعترافاً دولياً واضحاً بالجهود المبذولة لحماية هذه المواقع والتعريف بها كجزء أصيل من التراث الطبيعي الإنساني المشترك.





