وجهة سياحية موسمية تبرز فجأة وسط رمال الثويرات الذهبية
استقطبت روضة مهنا الواقعة بالقرب من بلدة النبقية شرق منطقة القصيم أعداداً غفيرة من الزوار والمتنزهين، حيث تسببت الهطولات المطرية الأخيرة في امتلاء محيطها الشاسع بالمياه وتحولها إلى ما يشبه البحيرة الطبيعية، ويأتي هذا الإقبال المتزايد نتيجة التحول الجذري في طبيعة المكان الذي بات يمثل وجهة سياحية وبيئية استثنائية في قلب الصحراء، مما يوفر تجربة استجمام فريدة لمرتادي المواقع البرية المفتوحة بالمنطقة.
تجلت ملامح التغيير في الروضة التي يمتد محيطها لمسافة تتجاوز عشرة كيلومترات كاملة، إذ امتزجت زرقة المياه المتجمعة مع حمرة رمال الثويرات النقية المحيطة بها، وتناغمت هذه العناصر الطبيعية لتشكل لوحة بديعة تجذب عشاق التصوير والرحلات البرية، الذين وجدوا في هذا التباين اللوني والمكاني فرصة لتوثيق لحظات نادرة لا تظهر إلا في مواسم الأمطار الغزيرة التي تشهدها المنطقة خلال هذه الفترة من العام.
تعتبر روضة مهنا من أبرز المتنزهات الموسمية التي تحظى بمكانة خاصة لدى أهالي القصيم والمناطق المجاورة، حيث تصب في ساحاتها الفسيحة عدة أودية وشعاب تشتهر بها المنطقة، ويعد وادي المستوي المغذي الرئيس الذي ساهم بشكل فعال في تجمع هذه الكميات الضخمة من المياه، وهو ما حول المساحات الرملية الجافة إلى بيئة مائية حيوية تسر الناظرين وتنعش الغطاء النباتي المعتمد على مثل هذه الدورات المطرية.
تحظى الروضة باهتمام رسمي وشعبي متزايد نظراً لما تتمتع به من مقومات طبيعية وجغرافية متميزة، ويظهر هذا الاهتمام بوضوح من خلال التجهيزات اللوجستية وتوافد قوافل المتنزهين الذين نصبوا خيامهم حول ضفاف البحيرة المتشكلة حديثاً، وتساهم هذه الأجواء في تنشيط السياحة البيئية المحلية ودعم الأنشطة المرتبطة بالرحلات الخلوية، التي تعد جزءاً أصيلاً من ثقافة المجتمع السعودي في التعامل مع مواسم الخير والبركة.
تواصل الأودية رفد الروضة بالمزيد من المياه مع استمرار تقلبات الطقس وهطول الأمطار، مما يبشر باستمرار هذه الأجواء السياحية لفترة أطول خلال الموسم الحالي، ويحرص المنظمون والمتنزهون على اتباع تعليمات السلامة أثناء التنقل حول المناطق المغمورة بالمياه، لضمان استمتاع الجميع بالمشاهد الطبيعية دون مخاطر، خاصة في ظل اتساع رقعة البحيرة المائية التي غطت مساحات كانت بالأمس القريب عبارة عن ممرات رملية جافة.
تفوح في المكان روائح النباتات البرية التي بدأت في الانتعاش نتيجة تشبع التربة بمياه السيول المنقولة، ويجد الزوار في هذا المكان ملاذاً بعيداً عن صخب الحياة الحضرية وضجيج المدن المزدحمة، حيث يغلب الهدوء التام على محيط الروضة إلا من أصوات الرياح وخرير المياه المنسابة، وهو ما يعزز من قيمة المكان كمركز للجذب السياحي الطبيعي الذي يعيد صياغة مفهوم التنزه الشتوي في منطقة القصيم بأسلوب واقعي وجذاب.
تساهم الطبيعة الجغرافية لرمال الثويرات في حماية تجمعات المياه من النضوب السريع، مما يسمح للمتنزهين بالاستمتاع بالموقع لعدة أسابيع قادمة بإذن الله، وتؤكد المشاهد الحية من الموقع أن روضة مهنا تظل الرقم الصعب في معادلة التنزه البري بالمنطقة، لقدرتها على استيعاب آلاف الزوار في آن واحد بفضل مساحتها الكيلومترية الواسعة، وتعدد المداخل والمخارج التي تسهل وصول المركبات إلى ضفاف المياه الممتدة بين الرمال والهضاب.
يرصد المتابعون للحركة السياحية في القصيم نمواً مطرداً في عدد الرحلات المتجهة نحو شرق النبقية، حيث تحولت الطرق المؤدية إلى روضة مهنا إلى شرايين تنبض بالحياة طوال ساعات النهار والمساء، ويعكس هذا المشهد الارتباط الوثيق بين الإنسان والأرض في أبهى صورها، عندما تجود السماء بأمطارها لتبدل ملامح الجفاف بخضرة وماء، وترسم الابتسامة على وجوه الصغار والكبار الذين استبشروا خيراً بهذا الموسم المطري المتميز.
تستمر الجهود المجتمعية في الحفاظ على نظافة الروضة ومحيطها لضمان بقائها بيئة بكر ونقية، وتتكامل هذه المبادرات مع الحضور الأمني والتنظيمي لتسهيل حركة المرور ومنع التكدس في النقاط الحيوية، لتظل روضة مهنا أيقونة سياحية تفتخر بها منطقة القصيم، ومقصدًا دائمًا لكل من يبحث عن ملامح الجمال الرباني في تداخل فريد بين الصحراء والبحيرات الموسمية التي خلفتها أمطار الخير والبركة هذا العام.





