تونس تبدأ ترميم “الحنايا”.. إعادة إحياء تراث تاريخي يمتد لقرون
في خطوة هامة للحفاظ على التراث التاريخي العريق، بدأت السلطات التونسية عملية ترميم واسعة لشبكة “الحنايا”، وهي شبكة سواقي قديمة لنقل المياه، تمتد على مسافة 132 كيلومتراً في مختلف مناطق البلاد.
هذه الشبكة التي تعود إلى العهد الروماني في القرن الثالث عشر، تعد من أبرز المعالم التاريخية التي كانت قد تعرضت لإهمال ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، مما أثار انتقادات عديدة بشأن حالة هذه المعالم الأثرية، خصوصًا مع تسجيل عدد من الاعتداءات عليها.
حاجة ملحة للصيانة
تعتبر “الحنايا” من أهم معالم التراث في تونس، فهي شبكة قنوات مائية شيدها الرومان في الماضي بهدف توفير المياه لمدينة قرطاج، وعبرت الأجيال المتعاقبة عن تقديرها لهذه الشبكة التي كانت تساهم في نقل المياه العذبة.
مع مرور الزمن، تعرضت هذه الشبكة لإهمال كبير، مما تسبب في تدهور العديد من أجزاء الحنايا، خصوصًا بعد هدم جزء منها في محافظة ابن عروس عام 2018 نتيجة للفيضانات التي ضربت المدينة، ما أضاف أعباء إضافية على صيانتها.
في هذا السياق، أعلنت وزارة الثقافة التونسية عبر صفحتها الرسمية على موقع “فيسبوك” عن بدء العمل في مشروع ترميم وصيانة الحنايا بجهة باردو، تحت إشراف المعهد الوطني للتراث.
وذكرت الوزارة أن هذا المشروع يأتي في إطار الجهود المستمرة للحفاظ على المعالم التاريخية في تونس. وأوضحت أن أعمال الترميم بدأت في عام 2019، ويستمر العمل على صيانة الأجزاء الآيلة للسقوط ضمن القسط الثالث والأخير من المشروع.
الترميم والتحديات التقنية
وأكد محافظ مدينة تونس، منتصر جمور، في حديث خاص لـ “اندبندنت عربية”، أن العمل يركز في هذه المرحلة على الأجزاء الأكثر تدهورًا من الحنايا.
وأضاف أن الأعمال تشمل إصلاح الأقواس العلوية التي تحمل قنوات المياه والأعمدة الضخمة التي تصل إلى ارتفاع 14 مترًا، على امتداد 600 متر من الحنايا.
كما أشار إلى أن المواد المستخدمة في الترميم تتمثل في حجر طبيعي وآجر تقليدي من الطين، وهي المواد التي تتناسب مع معايير الصيانة التقليدية والمعمارية الأصيلة لهذه المعالم التاريخية.
تاريخ الحنايا ومغزاها الثقافي
تعكس الحنايا في تونس قدرة المعمار الروماني على التكيف مع البيئة المحلية واستخدام الموارد الطبيعية بذكاء. فإلى جانب كونها شبكة لنقل المياه، تُعد الحنايا شاهداً على إبداع المهندسين الرومانيين الذين استخدموا تقنية متطورة في بناء القنوات المائية على مر العصور.
تعود فكرة بناء الحنايا إلى عام 128 ميلادي، حينما قرر الإمبراطور الروماني هادريان زيارة شمال أفريقيا، ولاحظ معاناة مدينة قرطاج من الجفاف. حينها، تم إجراء دراسة لاستغلال العيون المحلية لتوفير المياه للعاصمة قرطاج، واختيرت “عين زغوان” لتكون المصدر الرئيس للمياه في الشبكة.
ومنذ ذلك الحين، أصبحت الحنايا جزءًا لا يتجزأ من تاريخ تونس، وتُعد اليوم أحد أبرز المعالم السياحية التي تجذب الزوار من داخل البلاد وخارجها.
الحفاظ على الهوية الوطنية
يعد ترميم “الحنايا” اليوم جزءًا من التزام تونس بالحفاظ على تراثها الثقافي والمعماري، ويمثل رمزًا لصمود هذا البلد أمام التحديات المختلفة عبر التاريخ، إذ استطاعت الحنايا البقاء صامدة على الرغم من الاحتلال الفرنسي والعديد من التغييرات التي مرت بها تونس عبر العصور.
كما أن المشروع يشكل خطوة مهمة نحو تعزيز السياحة الثقافية في البلاد، حيث يتوقع أن يساهم في جذب مزيد من الزوار المهتمين بالتاريخ والتراث العريق للمنطقة.
تواصل تونس بذلك تأكيد التزامها بالحفاظ على معالمها الأثرية، في ظل جهود مستمرة لتعزيز هوية البلاد الثقافية وتحقيق التنمية المستدامة في المجال السياحي.