جذور الجميز في جازان توثق الذاكرة الشعبية

ترسخت شجرة الجميز في وجدان أهالي جازان كرمز حي للبيئة والتاريخ والروابط الاجتماعية، حيث تنتشر في القرى والسهول كعلامة متجددة على ارتباط الإنسان بمحيطه الطبيعي.
تحمل الشجرة المعروفة محليًا باسم “الإبراية” ملامح فريدة تجعلها أكثر من مجرد غطاء نباتي، فهي بوابة إلى زمن مضى، ومشهد يتكرر في الذاكرة الجمعية لسكان المنطقة.
تعود الشجرة إلى فصيلة التين، وتحمل الاسم العلمي “Ficus sycomorus”، وتُعرف بجذعها الضخم المتشعب وأوراقها العريضة التي ترسم مساحة ظل واسعة، وهو ما جعلها عنصرًا دائم الحضور في البيئات الحارة.
غُرست هذه الأشجار منذ عقود بجوار المنازل القديمة والآبار والمساجد، وكانت تلقى عناية خاصة من الأهالي الذين كانوا يدركون أهميتها في مواجهة الشمس الحارقة وتوفير مأوى طبيعي في غياب المرافق الحديثة.
يستعيد كبار السن في جازان مشاهد يومية كانت تدور تحت ظلال هذه الشجرة، التي لم تكن مجرد غطاء نباتي، بل نقطة التقاء للجيران بعد صلاة العصر، وساحة للعب الأطفال في منتصف النهار، ومنصة لقصص الجدة عند غروب الشمس، تلك الحكايات التي تناقلها الأجيال شفهيًا، غالبًا ما كانت تبدأ أو تنتهي بجملة “كنا نجتمع تحت الإبراية”، ما يكشف عن موقعها الرمزي في الحياة الاجتماعية.
تنتج شجرة الجميز ثمارًا موسمية تشبه التين، يتغير لونها من الأخضر إلى الأحمر عند النضج، وتتميز بطعم حلو حامض كانت تستهوي الأطفال، رغم عدم وجودها في الأسواق أو اعتمادها تجاريًا، ومع ذلك، تبقى هذه الثمار جزءًا من الذوق الريفي التقليدي الذي تشكّل بعيدًا عن الثقافة الاستهلاكية.
توفر الشجرة بيئة متكاملة تحت ظلالها، حيث تستقطب الطيور وتمنح المزارعين مكانًا للراحة وتوفر للمارة في الطرق الريفية فرصة للتوقف بعيدًا عن حرارة الشمس، وتتمتع بقدرة طبيعية على تحمل الجفاف بفضل جذورها العميقة، مما يجعلها مناسبة لطبيعة جازان الجغرافية والمناخية، تستمر هذه الشجرة في النمو والصمود رغم تغير الأجيال، وتحمل بين فروعها خلاصة قرون من الارتباط بالأرض والناس.