اليابان بلد الجزر والزهور والقطارات الدقيقة

تثير اليابان فضول العالم بما تمتلكه من تفرّد في العادات والنظم والتاريخ، فهي بلد يزاوج بين التقنية المعاصرة والروح الشرقية الأصيلة، وتُعد واحدة من أكثر الدول تميزًا على خارطة الحضارة العالمية.
ومن الحقائق اللافتة عن هذا الأرخبيل الآسيوي، أنه يتكون من أربع جزر رئيسية هي هونشو، هوكايدو، كيوشو، وشيكوكو، تشكل وحدها الغالبية العظمى من مساحة البلاد، بينما تنتشر على امتداده أكثر من 6800 جزيرة صغيرة أخرى، منها أكثر من 6000 جزيرة غير مأهولة، ما يضفي على اليابان طابعًا جغرافيًا متنوعًا واستثنائيًا يمتد لأكثر من 3000 كيلومتر من الشمال إلى الجنوب.
تتمتع اليابان بمكانة عالمية بارزة من حيث التقدم التكنولوجي والانضباط المجتمعي، ويظهر ذلك في شبكة السكك الحديدية التي تُعد واحدة من الأدق في العالم، حيث تصل دقة مواعيد القطارات إلى ثوانٍ معدودة.
وفي قلب الثقافة اليابانية يتجذر احترام الوقت والنظام، وهي قيم تنعكس في كل جانب من جوانب الحياة اليومية، بدءًا من احترام الصفوف وحتى دقة الاجتماعات، فضلًا عن الامتناع عن إعطاء البقشيش الذي يُعتبر سلوكًا غير مقبولًا في بيئة العمل أو المطاعم.
تعكس اليابان أيضًا نموذجًا فريدًا في متوسط العمر الطويل، إذ يبلغ متوسط أعمار السكان نحو 85 عامًا، وهي أعلى نسبة عالمية، ويتجاوز عدد المعمرين الذين تخطوا المائة عام 50 ألف شخص، في دلالة واضحة على أنماط الحياة الصحية ونظام الغذاء المتوازن.
ومع ذلك، فإن اليابان تعيش تحت تهديد دائم للزلازل، حيث تتعرض سنويًا لأكثر من 1500 هزة أرضية، بحكم موقعها ضمن “حلقة النار” في المحيط الهادئ، وتضم في طياتها أكثر من 200 بركان، منها 108 نشطة.
تتمثل إحدى المفارقات المذهلة في اليابان، في توازنها الدقيق بين التقاليد والحداثة، حيث يُمارس فن “الإيكيبانا” لترتيب الزهور، الذي يركز على التناغم والبساطة، جنبًا إلى جنب مع الهوس بالروبوتات والموسيقى الغربية.
كما أن اليابان تحتضن أقدم شركة في العالم لا تزال تعمل حتى اليوم، وهي “نيشياما أونسون كينيوكان” التي تأسست عام 705 ميلادي، وتقع في محافظة ياماناشي، مما يعكس احترام اليابانيين العميق للإرث والتاريخ المؤسسي.
ومن الطرائف التي لا يعرفها كثيرون أن اليابان تحتضن أقصر سلم متحرك في العالم، يقع في مدينة كاواساكي، ويضم خمس درجات فقط، بينما تمتلك اليابان أيضًا ثاني أكبر عدد من فروع مطاعم ماكدونالدز عالميًا بعد الولايات المتحدة، بما يفوق ثلاثة آلاف فرع.
وعلى جزيرة أوكونوشيما المعروفة بـ”جزيرة الأرانب”، تتجول مئات الأرانب بحرية في مشهد طريف يعكس علاقة اليابانيين الفريدة بالحيوانات والطبيعة.
رغم التمدن الكثيف والتقدم الصناعي الهائل، تُعد اليابان من أقل الدول في معدلات السمنة، إذ يحافظ المجتمع على أنماط تغذية تقليدية قائمة على الأسماك والخضروات، وتُعد النودلز من أكثر الأطعمة الشعبية رواجًا، حيث يستهلك اليابانيون نحو 24 مليار عبوة نودلز فورية سنويًا.
كما تُعد رياضة السومو أحد أقدم وأعرق الفنون القتالية، وتمتد جذورها إلى أكثر من 1500 عام، ولا تزال تحظى بمكانة مرموقة لدى الشعب الياباني.
ولا يمكن الحديث عن اليابان دون التطرق إلى الكاريوكي، ذلك الفن الترفيهي الذي انتشر عالميًا، وأصل الكلمة يعود إلى “كارا” بمعنى “فارغ” و”أوك” أي “أوركسترا”، ليعبّر عن الأداء الغنائي على موسيقى مصاحبة دون مغنٍّ رئيسي، ما يفسّر انتشاره الواسع في الثقافة الشعبية.
ومن جهة أخرى، تُعد اليابان ثاني أكبر سوق للموسيقى في العالم بعد الولايات المتحدة، وهو ما يؤكد عشق هذا الشعب للفنون، وتذوقه الرفيع لكل أشكال التعبير الصوتي والموسيقي.
تتعدد أوجه اليابان كما تتعدد جزرها، فهي بلاد لا تنفد عجائبها، تجمع في ملامحها بين الحكمة العتيقة للساموراي وتكنولوجيا المستقبل، وتحمل في ذاكرتها مزيجًا من الزلازل والبراكين، الزهور والروبوتات، المآثر التاريخية والمهرجانات الشبابية، ما يجعل منها تجربة حضارية متكاملة لا يمكن اختزالها في صورة أو عبارة.