9 عائلات تعيش بجزيرة نائية وسط المحيط الأطلسي

تتربّع جزيرة تريستان دا كونا وسط مياه المحيط الأطلسي كأكثر الجزر المأهولة عزلة في العالم، حيث تقاوم الحياة الحديثة وتحتفظ بإيقاعها البطيء المنعزل، في مشهدٍ طبيعي بديع يختلط فيه العزف البركاني مع همسات المحيط، بينما تعيش فيها تسع عائلات فقط ضمن مجتمع لا يتجاوز عدد سكانه 264 نسمة.
تنتمي الجزيرة إلى إقليم ما وراء البحار التابع للمملكة المتحدة، وتُدار فعليًا من قِبل سلطات بريطانية، لكنها تملك في الوقت نفسه إدارة محلية محدودة تُعنى بشؤون السكان الذين يشكّلون مجتمعًا صغيرًا مترابطًا، يرجع أغلبهم إلى أصول استقرت في المكان منذ أوائل القرن التاسع عشر، ويتركّز هؤلاء في مستوطنة صغيرة تُدعى “إدنبرة البحار السبعة”، تُعدّ النقطة الوحيدة المأهولة في الجزيرة وتؤدي دور العاصمة غير الرسمية لها.
يعتمد سكان الجزيرة على نظام اقتصادي بسيط قائم في جوهره على الاكتفاء الذاتي، حيث تشكّل الزراعة وصيد الأسماك المصدرين الرئيسيين للغذاء والدخل، بينما تكمّلهما بعض الصناعات اليدوية المحدودة، إلى جانب نشاط سياحي خجول لا يتجاوز عشرات الزوّار سنويًا، وذلك بسبب مشقة الوصول إلى الجزيرة، إذ لا تملك تريستان دا كونا أي مطار، ويُعد البحر الطريق الوحيد المؤدي إليها، من خلال رحلة طويلة ومضنية قد تستغرق من خمسة إلى عشرة أيام، حسب حالة البحر.
تحيط بالجزيرة مناظر طبيعية آسرة ناتجة عن أصلها البركاني، حيث تُهيمن قمة “كوين ماريز بيك” على المشهد بارتفاع يتجاوز 2000 متر، بينما تنتشر حولها الأراضي الخضراء المورقة والسهول التي توفر بيئة خصبة لرعي الماشية وزراعة البطاطس والخضروات، في مناخ معتدل تميل حرارته إلى البرودة طوال العام، ويصعب على السكان تخزين الطعام لمدى طويل، ما يجعلهم معتمدين على محصولهم الموسمي في إدارة معيشتهم اليومية.
ورغم أن الحياة على هذه الجزيرة النائية تبدو بعيدة كل البعد عن العالم الحديث، فإن سكان تريستان دا كونا ليسوا منعزلين تمامًا، حيث يستخدمون الإنترنت عبر الأقمار الصناعية، ويتمتعون بخدمات طبية وتعليمية أساسية بفضل دعم الحكومة البريطانية، إلا أن مشقة السفر، ومحدودية الموارد، وطبيعة العزلة التي تحكم تفاصيل الحياة اليومية، تجعل من قرار الإقامة في الجزيرة مغامرة وجودية لا يقدم عليها سوى من يجد في البُعد عزاءً، وفي الصمت حياة، وفي الجماعة الصغيرة وطنًا.
وتُعد تريستان دا كونا اليوم نموذجًا نادرًا لمجتمعات صغيرة تعيش في وئام مع الطبيعة، وتقاوم زحف العولمة، محافظة على نمطها البسيط الذي يجمع بين التاريخ، والصمود، والانتماء العميق للمكان، في واحدة من أندر التجارب الإنسانية المستمرة على سطح الأرض.