نهر النيل.. كنز غارق مليء بالأسرار التاريخية
يعد نهر النيل شريان الحياة لمصر منذ آلاف السنين، وهو ليس فقط مصدر المياه والحياة، بل أيضا يحمل بين طياته أسراراً وآثاراً غارقة تكشف عن فصول من تاريخ الحضارة المصرية القديمة.
ومع مرور الزمن، ظل النهر شاهداً صامتاً على تطور هذه الحضارة، وفي أعماقه كنوز غارقة قد تعيد كتابة فصول من التاريخ المصري، لكن الوصول إليها يتطلب جهوداً متواصلة وتقنيات متطورة.
أسباب تعطل العمل في التنقيب
على الرغم من محاولات عديدة لاستكشاف هذه الكنوز، فإن العمل الأثري في نهر النيل قد توقف لمدة 16 عاماً، نتيجة العديد من المعوقات.
يشير المختصون إلى أن هذه المعوقات تشمل نقص التمويل، وغياب المعدات الحديثة اللازمة للتنقيب، إضافة إلى تراكم الطمي الذي يعيق الوصول إلى الآثار الغارقة.
وفي هذا الصدد، يقول الدكتور زاهي حواس، عالم الآثار المصري الشهير، والذي كان مسؤولاً عن أول عملية غوص للكشف عن آثار نهر النيل في عام 2008، إن النيل يحتوي على آثار لا مثيل لها تتطلب استخدام تقنيات متطورة مثل السونار وأجهزة المسح المتقدمة لاكتشافها.
وأضاف حواس أن الطمي الذي يغطّي قاع النهر يتسبب في إخفاء العديد من الآثار التي قد تكون موجودة تحت المياه.
التحديات التقنية واللوجستية
يتفق العديد من الأثريين مع حواس في أن التنقيب في نهر النيل ليس بالأمر السهل. فبحسب أسامة النحاس، الرئيس السابق للإدارة المركزية للآثار الغارقة في مصر، فإن الحفائر تحت المياه النيلية تختلف تماماً عن تلك في البحر، فعلى الرغم من إمكانية سحب الرمال من قاع البحر لاستخراج الآثار، إلا أن الطمي المتراكم في النيل يجعل هذه العملية أكثر صعوبة.
كما أن تغير مجرى النيل عبر العصور قد أدى إلى دفن بعض الآثار تحت طبقات من التربة بدلًا من الماء، ما يجعل التنقيب عنها أصعب بكثير.
الأجهزة المتهالكة والمعدات القديمة
من أبرز الأسباب التي تعوق البحث عن الآثار المغمورة في النيل، هي المعدات المتقادمة التي تستخدمها فرق البحث، وفقاً لعماد خليل، مدير مركز الآثار البحرية بجامعة الإسكندرية، فإن الأجهزة المستخدمة حالياً قديمة ولم تعد قادرة على تقديم القراءات الدقيقة التي يحتاجها الأثريون.
وأضاف خليل أن البحث في نهر النيل يتطلب استخدام أجهزة متطورة، مثل أجهزة الاستشعار عن بُعد، والتي تكون ضرورية للتعامل مع أعماق النهر واكتشاف الآثار التي قد تكون مدفونة تحت الطمي.
محاولات جديدة لاستئناف التنقيب
على الرغم من هذه التحديات، بدأت مصر في نوفمبر 2023 مشروعاً جديداً بالتعاون مع جامعة فرنسية لتوثيق النقوش الصخرية في بحيرة الخزان بين خزان أسوان والسد العالي. وقد أسفر المشروع عن اكتشاف نقوش ملكية وخراطيش لملوك من عصور مختلفة.
كما تحدث محمد مصطفى عبد المجيد، كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار، عن المشروع الذي بدأ عام 2008 للكشف عن مسلتين غارقتين في نهر النيل، حيث أسفرت الحفريات عن اكتشاف بقايا أسوار معبد ومقصورة تعود لعصر الملك بطليموس السادس، وكذلك أجزاء من تجهيزات مركب بين جزيرة إلفنتين ومدينة أسوان.
خريطة جديدة للآثار المغمورة
أحد أبرز المشاريع في هذا السياق هو إعداد أول خريطة أثرية لنهر النيل، وهو مشروع كان تحت إشراف الدكتور زاهي حواس. وقد شهدت الحفريات اكتشافات مهمة مثل غرق مسلة صغيرة أسفل فندق كتاركت في أسوان، إضافة إلى الرصيفين الشمالي والجنوبي لجبل السلسلة.
ورغم وجود معدات متطورة في تلك الفترة، إلا أن الأثريين يواجهون حالياً تحدياً كبيراً في استخدام الأجهزة القديمة التي لا تتناسب مع متطلبات التنقيب الحديثة.
الآمال والتطلعات المستقبلية
يأمل الباحثون في استئناف عمليات التنقيب في نهر النيل باستخدام معدات حديثة ومتطورة مثل السونار والأجهزة التي يمكنها اختراق الطمي والتربة.
وفي حال توفر الإمكانيات اللازمة، فإن الآثار المغمورة في نهر النيل قد تكشف عن العديد من الكنوز والآثار التي تعود إلى الحضارة الفرعونية، مثل أجزاء من معابد ومسلات وآثار أخرى قد تكون محط أنظار العالم أجمع.
إن كنوز نهر النيل، التي ظلت غارقة لعقود طويلة، قد تكون على وشك الكشف عنها، لكن الطريق إلى هذه الاكتشافات يتطلب المزيد من التمويل والتقنيات الحديثة.