دبي ترتقي بفنون الطهو وتتصدر قوائم التميز العالمية

تألقت دبي مجددًا على الساحة الإقليمية والدولية في عالم الطهو، بعدما تصدرت قائمة أفضل المطاعم في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لعام 2025، والتي تصدرها دليل MENA’s 50 Best، حيث استحوذت وحدها على 19 مركزًا ضمن القائمة، ما يعكس تفوقها المستمر في تقديم تجارب طهي استثنائية، تجمع بين الإبداع، الحرفية، والضيافة الراقية.

لم يكن مستغربًا أن تتحول مطاعم دبي إلى محطات جذب فنية، تروي عبر أطباقها حكايات من مختلف ثقافات العالم، وتمنح زوارها لحظات لا تُنسى تبدأ من الطاولة ولا تنتهي عند آخر لقمة.

فرض مطعم Orfali Bros Bistro نفسه في الصدارة للعام الثالث على التوالي، بتوقيع الأشقاء السوريين الثلاثة الذين استطاعوا المزج ببراعة بين تقاليد المطبخ الحلبي والنكهات العالمية، مقدّمين تجربة تنتمي للشرق بروح غربية معاصرة.

من حي وصل 51 في جميرا، يقدّم المطعم أطباقًا تحمل بصمات فنية حقيقية، أبرزها طبق “Come with me to Aleppo” الذي يخلّد كباب حلب بنكهات الكرز الحامض ولحم الواغيو الفاخر، ليصبح أيقونة الطاولة السورية الجديدة.

ويتبعه مباشرة مطعم Trèsind Studio الذي يقدّم عرضًا مسرحيًا من النكهات الهندية، بفضل رؤية الشيف هيمنشو سايني، الذي نقل تراث بلاده إلى قلب دبي، من خلال تجربة تفاعلية شخصية تستوعب 20 ضيفًا فقط في كل أمسية، لتتحول كل وجبة إلى لحظة حميمة من الاستكشاف والدهشة.

واصلت الشيف نيها ميسرا ترك بصمتها الفريدة من خلال مطعم Kinoya الذي حل ثالثًا في القائمة، بعد أن بدأ كفكرة منزلية تحوّلت إلى علامة عالمية.

أطباق الرامن اليابانية أعيد تقديمها برؤية شخصية جريئة، منها طبق الرامن بالبط وزيت دهونه، الذي أذهل عشاق النكهات الثقيلة والمعقّدة.

ويعكس التصميم الداخلي لKinoya البساطة اليابانية، ما يعزز من أصالة التجربة ويمنح الزائرين شعورًا بالسفر دون مغادرة دبي.

ومن قلب البحر إلى عمق الذائقة، يأخذنا مطعم Ossiano في أتلانتس النخلة إلى تجربة عشاء ساحرة تحت الماء، ضمن أجواء شاعرية يحيط بها عالم الأحياء البحرية.

تبدأ الرحلة بممر مظلم وتنتهي بشمعة فاخرة من الفوا جرا، بينما يُقدَّم قنديل البحر مع صلصة الشبت في لوحة فنية من الطعم والرؤية. ويقوده الشيف أورليان دوران، الذي استطاع أن يجمع بين الابتكار التقني والحس المسرحي ليمنح رواده أمسية لا تُنسى.

وفي مرتبة متقدمة أخرى، ظهر مطعم Jun’s، كمنصة طهو تحمل ذاكرة الشيف كلفن تشيونغ، الذي ترجم سيرته الذاتية في أطباق تمزج بين أمريكا الشمالية، هونغ كونغ والهند، وتقدم بكاري جوز الهند ووافل الدجاج الحار وتشات الزعتر.

أما ما يميز هذا المطعم، فهو اقتراب الشيف من ضيوفه، حيث يحرص بنفسه على شرح كل طبق، مما يخلق رابطًا إنسانيًا بين المذاق والراوي.

تستمر دبي في مفاجأتنا من أعلى ارتفاعاتها مع مطعم Moonrise الذي يستضيف 12 ضيفًا فقط في كل جلسة، ليقدّم تجربة طهو شخصية جدًا، يقودها الشيف سليمان حداد بروح فنية تدمج بين الشرق والغرب.

ويضفي ضوء القمر الطبيعي والدخان الخفيف أجواء صحراوية حالمة على الجلسة، ما يجعل من العشاء فعلًا تأمليًا بقدر ما هو متعة حسية.

أما مطعم BOCA، فقد تميز بجانب نكهاته المستوحاة من إسبانيا، بدوره الريادي في الطهو المستدام، منذ عام 2014، قدّم أطباقًا محلية واعية بيئيًا، وكان أول مطعم في المنطقة يصدر تقريرًا عن بصمته الكربونية، مؤكدًا أن الطهو يمكن أن يكون أيضًا أداة للوعي البيئي والتغيير المجتمعي.

وعلى رصيف جميرا، يواصل مطعم 3 Fils التألق بتقديم المطبخ الآسيوي المعاصر بلمسة بسيطة وحقيقية، مستفيدًا من خبرة طهاة عالميين مثل سيبريان بورومباسيان، وجوفاني مانولو، وكارمن رويدا، وتبرز في قائمته أطباق مثل الأنناس المكرمل وموس جوز الهند، ضمن توازن بارع بين الحلاوة والانتعاش، بعيدًا عن المبالغات.

ويمنح مطعم Bait Maryam زواره دفء البيت الشامي، حيث تجمع الشيف سلام دكّاك بين نكهات الشام وأجواء المنزل العائلي.

أطباق مثل فتة المسخن ومريم فخارة تعكس شغفًا صادقًا يعيد للمغتربين ذكرى الأمهات والبيوت الدافئة.

ويُتوَّج هذا التنوع بتجربة فاخرة من الارتفاع الشاهق في مطعم Row on 45، الذي يديره الشيف البريطاني جيسون أثرتون، عبر قائمة تذوق من 17 طبقًا تُقدَّم على ثلاث مراحل، وسط إطلالة خلّابة على مارينا دبي.

ويُختتم العشاء في “مكتبة الشيف” ضمن أجواء هادئة، لتصبح اللحظة الأخيرة في التجربة لا تقل فخامة عن بدايتها.

ما شهدته دبي في تصنيف 2025 لا يمثّل فقط تفوقًا في عدد المطاعم المختارة، بل يبرهن على قدرتها على تقديم تجارب طهو تتخطى الطعام، لتصبح أحداثًا ثقافية وإنسانية تعكس تنوع المدينة وروحها العالمية.

ومن المؤكد أن مدينة لا تتوقف عن البناء، لن تتوقف يومًا عن الإبداع في فن الطهو، لتظل على الدوام على الطاولة.. وفي صدارة القوائم.